إذا ضاق الكون بكم فقلب السودان يوسعكم

2016-02-21 08:34

 

وعن السودان وطيبة معشر أهلها فالحديث ذو شجون، والكلام لا يتوقف بل وينساب كنبع صاف رقراق سلسبيل،لا تكدره المكدرات ولا تعكره الشوائب. إنه شعب السودان الشقيق، شعب أعتنق المحبة والتوادد وصفاء المعشر وجود الكف وسخاء العطاء، وربما شعب السودان الشقيق هو النسيج الاجتماعي المتراحم والمتآخي بشكل وطيد ومدهش، ولقد هذبهم الدين الإسلامي الحنيف وخصال البداوة العربية الأصيلة وصقلتهم أخلاق -الصوفية- وروحانياتها السمحة وصيرتهم اشبه بأولياء الله الصالحين .

 

قبل ايام كنت في زيارة لصديقي بل أخي المهاجرإلى كندا من السودان ومن سكان -عطبرة- مدينة الحقول والاخضرار والمياه والأنهار الجارية. دار الكلام حول ذكرياته في اليمن وطيبة اهلها -وهش أهلها وبشهم- في وجووه الناس وقال ان اهل اليمن وبرغم القهر والحرمان وشحة ما في اليد، وبرغم ارهاقات الحياة وعنائها، فلم تتغير سجاياهم الطيبة وسهولة النفوذ الى قلوبهم ومشاعرهم ، قلت له حدثني أنت سيدي عن أهل السودان وحسن معشرهم وكرمهم وطيبتهم التي لا يختلف عليها اثنان، فقال ان شعب السودان يختزن من الطيبة والصدق والسماحة والكرم ما يجعل اي اجنبي يحل في ارضه يدهش لهذه الخصال النبيلة، والإيثار واللطف التلقائي ،وأستطرد وحتى وان كان في نفس السوداني خصاصة فهو يؤثر الجود والعطاء اللاّ محدود مع القريب والجار والغريب .

 

وقصص كرم وإيثار أبناء السودان سيرة تتلى وحكايات تؤلف عنها الكتب والمجلدات، فهم يمثلون -التفرد- في هذه الخصال بين كل الأمم، ومن قصص كرم السودانيين وسجاياهم انهم يكرمون الغرباء والعابري السبيل ويبالغون في اكرامهم ،واخبرني بحادثة تبرهن على ذلك فقال، تعرف ان السودان بلاد مترامية الاطراف، وقد تستغرق رحلة -حافلة- ايام لقطع مسافات شاسعة بين المدن من الشمال الى الجنوب والوسط، وذكر لي -وعلى سبيل المثال - انه في احد المرات انزلت الحافلة اسرة في احد القرى بل اوصلتهم الى جوار البيت، فما كان من صاحب البيت في تلك القرية التي كانت تستقل اسرته -الحافلة- الاّ ان اقسم على جميع من في الحافلة بأن ينزلوا ويبيتوا في ضيافته، فذبح وأولم وتقاطروا الجيران باطياب طعامهم يكرمون الضيوف ويوفرون لهم كل اسباب الراحة، كل ذلك لان اسرته كانت من ضمن من استقلوا الحافلة ومروا بقربة من منزله ! هذه القصة مثلها الوف القصص تتداولها الالسن وتبقى شاهدة على شعب يتفرد بالجود والسخاء والدماثة رغم شحة ما باليد وقساوة الحياة ومحدودية العوائد .

 

وعن كرمهم وطيبتهم مع الاخوة اللاجئيين من سوريا، فالحديث يطول فلقد نزلوا اللاجئون السوريين مع اسرهم في ارض السودان سهلاً وحلوا بينهم أهلاً، كراماً اعزازا ، تستقبلهم البشاشات وتحنوا عليهم القلوب وتشرع لهم ابواب البيوت اينما اتجهوا ورحلوا وحلوا، ولا غرابة ان منهم من أكرم مثواهم وخصص لهم المسكن المجاني ومنهم من نقلهم بسيارته دون ان يكترث لطلب الاجرة، بل ان العناية والتعاطف والود لم تلمسها الاسر السورية من لدن الناس العامة بل ومن قبل رجالات الدولة فالحكومة السودانية سهلت لهم اسباب العيش فمنحتهم رخص العمل والاقامة الرسمية والعلاج المجاني واشرعت لهم المدارس من الصفوف الاولى إبتدائي الى الجامعات، وذلك دون اي تعقيدات او روتين او طلب وثائق رسمية فهم يعلمون إنسحاقهم وعنائهم ونكباتهم وغوائل الزمن قد تصيب فمن يستجيب؟.

 

وعن ابناء اليمن الفارين من الحرب المستعرة والذين استقبلتهم ارض السودان الطيبة ، فقد اعلنت الحكومة السودانية ان ارضها مفتوحة لمن يرغب في الاقامة في ارضها من الافراد والأسر اليمينة، بل ان مجال الأعمال متاحة لمن استطاع وكذلك فالمستشفيات والمدارس والجامعات مشرعة ومجانا لكل يمني دون اي تعقيدات او تكاليف أو رسوم. كل هذا يجعلنا نشعر ان ابناء السودان الشقيق هم اخوة لنا من غير ان تلدهم أمهاتنا، وانهم الحضن الدافى والقلب الشفوق في زمن القسوة والأنانيات والتباعد.

 

قلت لصديقي لماذا اصدقائي من ابناء السودان جميعم على خلق ودين وتواضع وكلهم لا يشعرونك بتنطعهم او تطرفهم رغم تدينهم ؟ فتجدهم يتعاملون بروح شفافة وانسانية مترعة بالحب والتحنان مع الجميع ودون إستثناء ؟. فكان رده !هولاء ادبهم الدين الإسلامي السمح والقرآن وكما يقولون في السودان -لا يكفي ان تكون حافظاً للقرآن بل ان تكون في أخلاقك آية من كتاب الله .

 

سالت صديقي - بل اخي من السودان- عن رئيس السودان البشير - حفظه الله وسدد خطاه- وقلت انه شديد البساطة! فقال هذا الرجل هو تواضع يمشي على الأرض، وهو -رئيس- ولكنه بين الناس من العامة وهو بيننا يجلس القرفصاء على الرمال ويسامر الناس ويسمع الحكايات والقفشات ويبادلهم الشجون والقصص والاخبار، واضاف لقد اتصلنا مرة بالقصر وطلبنا بمناسبة زفاف اخي ان يشرفنا-البشير- إلى حفل الزفاف، يقول رد علينا مدير مكتبه ان البشير يبارك لنا هذا الزفاف ولسوف يسعده ان يحضرلمشاركتنا الفرح ، وأضاف وفي ليلة الحفل أتصل -البشير- شخصيا مباركاً لنا ،واعتذر عن الحضور بل و انتدب احد كبار أركان الدولة ليمثله، حيث وهو في سفر لزيارة دولة عربية! قلت له وهل يحضر الأعراس!! قال البشير هو رئيس سودان في قصره ومكتبه اما بيننا فهو مثلنا دون مهابات ولا جاه ولا هيلمان، واذا جاء يوما الى كندا لربما زراني الى بيتي .