أمريكا تهمنا

2016-01-20 12:50

 

المتتبع للسياسة الأمريكية بدون ان يكون خبيرا او متخصصا سيدرك ان امريكا لها المصالح الاولى في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والدول العربية بشكل خاص. لقد تغيرت امريكا كثيرا ومنذ إستقلالها عن بريطانيا في تاريخ 4 يوليو 1776م وهي الى اليوم في تقدم مذهل ويستحق التوقف عنده والتمعن به لتاثيره العميم بل العظيم على مسارات حياة الامم في هذا الكوكب.

 

واعظم شيء خدمت به امريكا الانسانية هي انها دافعت عن دول كثيرة مستضعفة وساندتها لتتحرر بل ونيل استقلالها، برغم ان رسل الحرية الى العالم لم تكن امريكا بل فرنسا فامريكا استلهمت مُثل الحريات من الثورة الفرنسية ولكن الفرق ان امريكا اعتنقت هذه المبادىء وطبقتها بعد نجاح الثورة الفرنسية التي تحققت في 1789م ولكن أمريكا لم تستعمر ولم تخضع بينما فرنسا كرست الحرية وطبقتها على شعبها واستكثرتها على دول العالم ومنها الجزائر التي اعملت في شعبها السيف .

 

وللحرية في أمريكا مساحة شاسعة وقد تسالون عن تمثال الحرية (الفرنسي) والذي يشمخ في جزيرة قريبة من ميناء نيويورك ويمثل سيده مهيبة تحمل كتابا وشعلة تمثل الحرية وتعتمر تاجا بسبعة أسنة تمثل البحار السبعة، وتوسعا وعن تمثال الحرية فقد صممه النحات الفرنسي( فريد بارنولدي) لكي يهدىه لمصر ويتموضع على بوابة قناة السويس يوم تدشين القناة ولقد عرض الامر على (الخديوي إسماعيل) وطلبت مصر تقدير كلفة اقامته فكان ان أعتذرت حيث ان الكلفة كانت حينها باهضة جدا ولم تكن مصر حينها قادرة على الوفاء بها.

 

لكن ما هي اعظم صفات امريكا؟ واهمها انه هذه الدولة تكونت من شعوب عديدة اهمها الشعب الاول كما يسمونهم اي الهنود الحمر ومن مهاجرين متدينين مستضعفين ومن عشاق الأسفار والمغامرات بل ومن عبيد جلبوا من افريقيا للعمل في الحقول وفي المعامل والمناجم . في بلاد واسعة فارهة المساحات الزراعية ووفيرة العطاء وثرية في الخصوبة والمياه والمعادن .

 

ومن نافلة القول ان أمريكا لقد بعثت في العالم بواعث الحرية من ربق المستعمرين فتحررت بعدها دول كثيرة واصبح هاجس كل الدول المستعمرة التي كانت تشكل ربما نصف العالم هي نيل استقلالها وتحقيق هدفها بالحرية من قيود الإستعمار ومنها -كندا- التي نالت حريتها رغم ان حرية كندا وامريكا بل واستراليا ونيوزيلندا هو استقلال من نظام انجليزي اوربي الى استقلال محلي بطابع انجليزي -اوربي.

 

ما يشهد به التاريخ لامريكا من اعمال رائعة جلية هو انها ايضا دافعت عن المستضعفين وأستقبلت ملايين المهاجرين المعذبين بينما اوصدت روسيا أبوابها وكذلك قارة استراليا التي يسكنها اليوم قرابة سكان مدينة لندن! بل ان كلمة -المعذبين- نحتت على تمثال بجوار بوابة ميناء نيويورك وتقول بما معناه ألى مُعذبي العالم تعالوا فهنا تنالون حرياتكم وتحققون طموحاتكم.

 

ولقد انصفت امريكا العالم بان وقفت ضد الظلم النازي فاتت عليه وهزمته في عقر داره، وان كان الفضل يعود في دك الرايخ للجيش الاحمر الروسي وهذا لا ينكره الا مكابر ولكن الفرق ان أمريكا لم تهاجم ولم تدك من النازية وكان بامكانها ان تنجو بنفسها لبعدها ولكنها تجاوبت حينها مع مثلها وأخلاقها وقميها .

 

على أن أمريكا وقفت وحاربت العنصرية رغم انها كانت دولة عنصرية . وتفوقت أمريكا او حققت السبق المخيف والجائحي والسلاح المهيمن والرادع !وهو اكتشافها وإستعمالها للقنبلة الذرية ضد الغازي اليابان المتنمرة! ولكنها بصدق كبحت بعد الحرب جماحها ولم تخضع العالم بهذا السلاح المدمر والجائحي.ولو كانت اليابان او المانيا او اي دولة عنصرية شوفونية قومية طموحة ملكت هذا السلاح التدميري الشامل لكانت أخضعتنا جميعا ولكنا اليوم تحت قيود الذل والهوان.

 

لكن امريكا ومنذ الاستقلالها في 1776م الى اليوم ورغم ما تقدمه للعالم وقدمته من اختراعات ومن حلول تقنية عظيمة مثل غزو الفضاء وبلوغها القمر وصناعة السيارات وشبكة الانترنت وصناعة الادوية والطيران، إلاّ انها تنكرت اليوم وخانت بعض اعظم مثلها وانسانياتها! ومنها انها لم تساهم في احلال السلام الوطيد وذلك بعيد إنتصاراتها المدوية على الدول المتنمرة والقومية الشوفونية التوسعية مع امكانيات أمريكا العظيمة ونيلها شرف استضافة وتدشين مبنى الأمم المتحدة في نيويورك .

 

لم تقف أمريكا ضد اندلاع الحروب والفتن في الشرق الاوسط وذنب أمريكا العظيم والمخيف هو انها تركت قضية فلسطين دون حل أنساني وطول ستون سنة ! برغم انها والعالم اجمع يعلم ان مظلمة فلسطين تسببت في كل هذا العنف والارهاب الذي يجتاح الدنيا اليوم ، وليس الضحية فقط هم عرب فلسطين فحسب بل واليهود في إسرائيل وهذا كلام موثوق وصادق ومبرهن عليه بل وحقيقة غائبة للاسف ! فعشاق السلام في اسرائيل اكثر من عشاق السلام في فلسطين، ويكفي ان اعظم حركة سلام تكونت بعيد حرب إسرائيل مع لبنان وصل اعضائها في إسرائيل الى مليون عضو ولكن صقور الساسة الذين معظمهم خريجي المؤسسة العسكرية في جيش اسرائيل يعيشون -ويتهيلمون- على الحروب والنزاعات .

 

هل تستطيع امريكا ان تبعث صدقها ونقائها بل وإيمانها بالله وثقتها به؟ وهي التي طبعت وحفرت تلك العبارة الرائعة على عملاته -ثقتنا بالله-؟ نعم استطيع ان اقول ان امريكا لا زالت تختزن الكثير من إنسانيتها وتدرك ان الوعي الأنساني العالمي لم يعد يسمح للمظالم ان تحيق باي شعب اعزل ومقهور، بل ولا للحرائق ان تشتعل وتتوسع فكوكب الارض اليوم ضاقت مساحاته واتصلت وتواصلت واصبحت الأرض بيتاً صغيراً، فلو ان الدخان تصاعد من المطبخ لخنق سكانه.

 

ستبقى امريكا قوية بصناعاتها وتقنياتها وجبروتها الاقتصادي ومساحاتها من الاراضي الزراعية التي تكفي كل جياع العالم بل وستبقى قوية باسلحتها وإختراعاتها المعلنه والسرية وثرواتها من النفط والغاز والعقول والمال! نعم أن امريكا قوة متعاظمة ومُهابة ولكن كل هذه (العظمات) لا تساوي شيئا اذا تنكرت أمريكا لدورها الانساني في توطيد السلام والحب في العالم