بعد سنوات من الاختباء فى جحور وكهوف «تورا بورا»، نجحت التنظيمات الإرهابية فى وضع قدم لها داخل نطاق الأمن القومى العربى، مستغلة خلخلة منظومة الأمن العربى ومعه الاحتلال الأمريكى للعراق فى 2003، وصولاً إلى ثورات الربيع العربى، التى فجرت معها سوريا وليبيا، وأخيراً اليمن، فهناك على مشارف «باب المندب» البوابة الثانية لشريان «قناة السويس» بالنسبة لمصر، تقف تنظيمات القاعدة، وداعش، وأنصار الشريعة، فى انتظار لحظة يغفو فيها العرب، ليطعنوا مصر فى ظهرها «الأمنى»، بالانقضاض على المضيق.
«الوطن» التقت العميد عيدروس الزبيدى، قائد المقاومة الجنوبية فى اليمن الذى تولى فيما بعد منصب محافظ عدن، والمسئول الأول عن مواجهة التنظيمات الإرهابية فى الجنوب، بعدما انتهت مواجهات قواته مع ميليشيات الحوثيين وعلى عبدالله صالح، وفى الحوار، حذر «الزبيدى» من خطورة تمدد تلك التنظيمات، مطالباً بتدخل مصر والجامعة العربية لمساعدة المقاومة فى مواجهتها، كما شدد على أن «الجنوب» هو جزء لا يتجزأ من مصر العربية، ومن ثقافتها وتراثها، داعياً المصريين إلى الاهتمام بهذه المنطقة الجغرافية من وطنهم.
حاوره – أسامة خالد
■ بعد انتهاء المقاومة الجنوبية من مواجهة الحوثيين وأنصار صالح، هل لديكم تخوفات من محاولات «القاعدة» للوصول إلى الحكم؟
– تخوفى أن ينشط «القاعدة» فى هذه الفترة، لأنه يستغل عادة الانفلات والفراغ الأمنى، ليتحول وجوده إلى أمر واقع، لذلك نتمنى أن تتعاون معنا القاهرة فى وضع الخطوط العريضة لمواجهة تلك التنظيمات فى أسرع وقت، باعتبار أن باب المندب يمثل موقعاً استراتيجياً بالنسبة لمصر وبالنسبة لنا.
والآن، لا توجد سفارة يمنية للتواصل من خلالها مع الحكومة المصرية، ونحن كمقاومة على الأرض من مصلحتنا مد علاقات مع مصر وقادتها، لضمان عدم وصول «القاعدة» إلى الحكم، بالإضافة لوجود جماعات أخرى مثل أنصار الشريعة والدواعش تتدرب على الأرض، وتمتلك أموالاً تمكنها من شراء الأسلحة، وهى تتمركز فى حضرموت.
وبدأت تلك الجماعات تنشط فى ناحية الضالع وعدن، ولديها أعداد كبيرة، والخطر أنها تدرب أعداداً جديدة يومياً، ولم نر بينهم أجانب، وفى المقابل لا نمتلك نحن نفس القدرات المالية لها، ورغم أن المواجهة سهلة، إلا أن الهدف الحقيقى هو إنهاء وجودهم على الأراضى اليمنية تماماً، وأعلم أن قوات التحالف العربى ستضع خطة لمواجهتهم، وعندها سنكون معها.
ونحن بحاجة إلى التواصل مع المصريين بشكل استراتيجى، لأننا نعلم أن مصر أم الدنيا، وهى الماضى والحاضر والمستقبل إن شاء الله، ويجب أن تصل لهم حقيقة الوضع هنا، حتى يساعدونا على التعامل مع الوضع الحالى، خاصة المخابرات، حتى نستفيد فى تدريب ضباط مخابرات المقاومة، لنستطيع التعامل مع الوضع هنا.
■ لكن أحد مسئولى الدولة اليمنية قال إن المقاومة نسقت مع «القاعدة» لطرد الحوثيين من الجنوب؟
– المقاومة لم تنسق يوماً مع «القاعدة» لطرد الحوثيين، لكن أعضاء التنظيم وجدوا أرضاً خصبة للقتال وطرد الحوثيين، والوضع فى الجنوب هو أن الشعب كله قاتل بجانب المقاومة، والناس تعرف أن بينهم أعضاء فى القاعدة، وبعد خروج الحوثيين من الجنوب بدأ الناس فى الوقوف أمام «القاعدة»، لمنعه من ممارسة أى أنشطة داخل المجتمع.
ونحن نحذر من خطر «القاعدة» فى اليمن، مع تأكيدنا عدم وجود أجانب بينهم، فالمجتمع كله رافض لفكرة وجودهم داخل اليمن من الأساس، ويحذر منهم، ويحذرهم، ونفس الأمر بالنسبة للتيار السلفى المستنفر من التنظيم، ولا يقبله، وبذلك فإن المجتمع كله يقف بجانب المقاومة فى مواجهة «القاعدة».
■ مع انتقال الجيش اليمنى إلى الشمال لاستكمال معركة طرد الحوثيين، هل ستشاركون معهم أم أن دوركم انتهى هنا؟
– نحن كمقاومة جنوبية لنا برنامج يحدد تحركاتنا فى إطار الجنوب، لكن حتى هذه اللحظة لم يطلب منا المشاركة فى تحرير الشمال، ولم يتم تدريبنا أو تجهيزنا أو تأهيلنا للمشاركة مع قوات التحالف العربى، ونحن فى حاجة ماسة إلى التدريب والتأهيل، وإلى مساندة وتنظيم قوات المقاومة، لتكون جاهزة للمشاركة فى أى معركة أخرى، أو مكان آخر.
■ كم يبلغ عدد قوات المقاومة الجنوبية؟
– العدد الذى دربناه فى المحافظة الجنوبية يصل إلى الآلاف، وتتركز تلك المقاومة بشكل قوى فى الضالع وعدن، ونحن مستمرون فى حضرموت، ورغم أن عددنا يقدر بالآلاف، إلا أننا نفتقر إلى التسليح ووسائل النقل، كما أن الوسائل الفنية والتدريب والتأهيل ضعيفة.
■ كيف حصلتم على التمويل اللازم لتدريب تلك الأعداد؟
– التدريب أمر شديد الصعوبة، ويحتاج إلى أموال كبيرة، لكننا فى جمهورية اليمن كانت لدينا مؤسسات مجتمع مدنى وأمنية، وضباط كانوا فى الكليات العسكرية ومراكز التدريب، ونحن بدأنا التدريبات كضباط فى المناطق والبيوت بإمكانيات محدودة، وتلقينا مساعدات محدودة من المغتربين، والرئيس السابق على سالم، وساعدنا أنفسنا ذاتياً، خاصة أننا عملنا كضباط فى الجيش والأمن.
وهناك بعض القنوات كررت نفس السؤال، ونزلناها فى ميادين التدريب، لترى كيفية التدريب والمقاومة بالإمكانيات المتاحة، حيث نضطر أن نفطر فى بيوتنا ثم نعود للتدريب، وبإمكان المقاوم أن يحصل على غذائه ويصلى ثم يعود إلى التدريب والميدان، والجميع متجاوب معنا بشكل مباشر، ونفس الأمر بالنسبة للمغتربين، الذين لم يقصروا معنا، وقدموا لنا الإمكانيات المناسبة، والأسلحة الموجودة بحوزتنا كانت خفيفة، ومنها رشاشات و«آر بى جى».
■ هناك مخاوف من تحول الفصائل المشاركة فى تحرير عدن إلى ميليشيات متنازعة على الحكم؟
– بعض هذه الظواهر بدأت بالفعل، حيث وصل بعض الشباب إلى المعسكرات، وسيطروا عليها، ونحن لم نغفل عن ذلك، ولن نترك هذه النقطة، لكننا نعمل بكل جهد الآن مع قوات التحالف العربى، ليساعدونا من خلال تدريب وتأهيل قوات حكومية، فلابد من الانضمام إلى مؤسسات الجيش والأمن.
ونتعاون مع قوات التحالف العربى حالياً، ولن نسمح لأحد بأن يحاول السيطرة على مكتسبات أو سلطة الدولة، وهناك تفاعل من شباب المقاومة للانضمام إلى جيش الدولة اليمنية، لكن ما هو موجود حالياً قيادات للجيش، أما الجنود فليسوا موجودين بكثرة، لكن الحقيقة الأكبر أن المقاومة بشبابها موجودة فى الشارع اليمنى الجنوبى، لأن ما أسسناه منذ سنوات ظهر حالياً، وهو موجود بالفعل، فمعظم الشباب انضم إلى المقاومة، وسموا أنفسهم فصيل المقاومة الجنوبية، ونحن نجلس معهم لنوحد صفوف المقاومة، وننتقل إلى مؤسسات الدولة بشكل مباشر، ولن نتأخر فى ذلك.
■ تطالبون بسرعة الانضمام إلى المؤسسات بدولة اليمن، رغم صعوبة ذلك فى ظل عدم وجود قدرة وإمكانيات على تنفيذ ذلك الآن؟
– صحيح الواقع صعب، لكن أملنا فى الله ثم قوات التحالف العربى كبير، لأن لديها برنامجاً خاصاً بتثبيت الأمن والاستقرار، من خلال تدريب وإعادة تأهيل القوة الموجودة على الأرض، وعلى رأس أولوياتها توجد عدن، باعتبارها العاصمة الآن، ونأمل أن تستجيب قوات التحالف لنا، فهناك ضباط موجودون فى غرفة القيادة هنا، يعكفون على تنفيذ بعض الخطط والمقترحات التى تقدم على الأرض، وتحديد ما نستطيع تنفيذه، ولدينا خطط طارئة، وأخرى بعيدة المدى، تنفذ على مراحل.
■ من يحمى عدن الآن، خاصة مع ورود شكاوى من الأهالى أثناء الحرب عن وجود سرقات؟
– المدينة لا توجد فيها قوات شرطة أو جيش، وما يحميها الآن هى المقاومة، وظهرت السرقات وأعمال النهب فى الفترات المسائية من جانب الأشخاص الذين يدعون أنهم لجان مقاومة، رغم أنهم ليسوا كذلك.
الآن، قوات الشرطة أصبحت قوة فاسدة وغير فاعلة، ولا تستطيع أن تحمى المواطن نهائياً، فهى تحتاج إلى تغييرات لتواكب العصر، لذلك نطالب قوات التحالف والدول العربية باستيعاب «المقاومة» وتأهيلها وتدريبها لتسيير الأمن والاستقرار فى الجنوب.
■ كيف تتعاملون مع ملف الاغتيالات؟
– إمكانياتنا الحالية لا تسمح لنا بأن نحمى الأمن، لكننا نقوم بدورنا الوطنى، وأى اغتيالات جرت مؤخراً، نطارد مرتكبيها، ونسلمهم إلى جهات الاختصاص، حيث تم تسليم منفذى 3 عمليات إلى السلطات القضائية بعد التحفظ عليهم، وتتم محاكمتهم، والجميل أن الشعب مقتنع بالمقاومة، فالمجتمع داخل عدن ليس معارضاً، لكننا نخشى تأخر دعم قوات التحالف لنا، لأن المدة إذا طالت فمن الممكن أن يفلت الأمر.
■ هل تخشون تكرار سيناريو الفوضى الليبى فى اليمن؟
– التأخر فى الانتقال إلى مؤسسات الدولة قد يدفع بنا إلى السيناريو الليبى، وبالتأكيد نشعر بالقلق من ذلك، لأننا ليست لدينا قنوات أخرى سوى التحالف، ونحن نتواصل معه، وجلسنا معه بشكل مباشر، ونريد منه خطة زمنية سريعة، فأحياناً نضع نحن الخطة ليتم اعتمادها، وخلال هذا الوقت، قد يطرأ أمر غير محسوب، فتعدل.
■ ما مستقبل المقاومة فى رأيك؟
– نطمح أن تكون المقاومة فى الجنوب جزءاً فاعلاً فى مؤسسة الدفاع والأمن والمؤسسات المدنية، ولا يمكن أن تظل المقاومة إلى ما لا نهاية، ونحن سنصبح جزءاً فاعلاً فى الدولة ومؤسسات دولة الجنوب المقبلة، ونريد فك الارتباط بالتنسيق مع قوى التحالف القائمة على الأرض، وبشكل قانونى.
وحتى الآن، تتعامل قوات التحالف تحت مظلة الشرعية الموجودة فى اليمن بالكامل، لكن لنا برنامج محدد، حيث سنعمل معها إلى آخر نقطة تحددها، فى الاتجاهات التى تخطط لها القوات، ونطالبها هى والجامعة العربية ومصر بتبنى مبدأ حق تقرير المصير المكفول لكل الشعوب، بمن فيها شعب الجنوب، بطرق سلمية وديمقراطية.
■ لكن ما موقفكم إذا لم يحدث ذلك، وتم الاستقرار على بقاء اليمن ككتلة واحدة؟
– نحن كشعب حى موجود سنظل نتواصل مع كل المنظمات الإقليمية والدولية، لأن حقنا مكفول، وفى هذه الأيام لا توجد حرب لأننا أنهيناها، وهناك مشروع أن ينقسم اليمن إلى إقليمين شمالى وجنوبى، ثم يجرى بعدها الاستفتاء على تقرير المصير لشعب الجنوب، ليختار البقاء فى الدولة الاتحادية أو فك الارتباط سلمياً.
ونرى أن الخطوات المقبلة تستلزم تثبيت المؤسسات العسكرية والمدنية كمرحة أولى، ثم ننتقل بعدها إلى إنشاء تكتل سياسى للتعبير عن حراك أبناء الجنوب، على أن يجرى ذلك بالتنسيق والتعاون فيما بينهم، وسنبدأ التحرك فى هذا الاتجاه عقب انتهاء بناء المؤسسات العسكرية والمدنية.
مصر تقود العرب
أود توصيل رسالة إلى الشعب المصرى وقيادته، وهى أن الجنوب جزء لا يتجزأ من مصر العربية، وثقافتها وتراثها، وعلى المصريين الاهتمام بهذه المنطقة الجغرافية من الوطن، باعتبار أن مصر وموقعها الجغرافى مرتبط بنا، ونتشرف نحن أن نكون جزءاً من هذا الوطن من الشعب المصرى والعربى، باعتبار أن مصر تاريخياً تقود العرب كلهم، ونفتخر جميعاً بالتواصل المباشر مع مصر.
تنظيمات متطرفة
– التنظيمات المتطرفة السياسية موجودة فى كل مكان، وهى تطالب باستعادة الدولة، رغم أنها موجودة بالفعل، لكنها محدودة، الآن أصبح الأمر واقعاً ومقبولاً، وهو ضرورة أن يندمج الجنوب فى المؤسسات، مع حفظ حقوقهم السياسية والديمقراطية.