مفترق الطرق .. خطورة تخزين السلاح في الجنوب

2015-10-15 12:32

 

 

                            بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفترق الطرق .. خطورة تخزين السلاح في الجنوب

 

 

 لم تَكنْ النار التي أشعلها  البو عزيزي في نفسه  انتحَاراً أودَى بحياة نموذج من إنسان عربي مقموع في معيشته ووظيفته ،في حكمه وحريته وتنميته..الخ لكن الحدث رغم مأساويته كانت المجتمعات العربية تحتاجه لتنصهر فيها عقوداً من الركود والاستبداد والقهر حجّرت واقعها وقهرت حرياتها وأذلّت آدمية إنسانها واشتعل ذلك الانتحار حراكاً سياسياً واجتماعياً كان ضرورياً للمجتمعات العربية كان مأمولا أن يؤسس منظومة قيميّة علمياً وسياسياً وإعلامياً واستثمارياً..الخ تؤهلها للولوج الى الألفية الثالثة حتى تأخذ مكانها اللائق بين الأمم .

 

      إن ما تحققَ بغض النظر عن نظرية المؤامرة التي يحلو للبعض ترديدها لاشك شكّلَ تحولاً نوعياً تجلّت أولى متحولات منه بانفجارِ ركامِ التحولات المجتمعيةِ والاقتصَادية والفكرية الجذرية وكان الدور الرئيس في تحَريك جمود المجتمعات العربية لثورة  الإعلامِ والاتصالاتَ الاليكترونيةِ "الانترنت" تويتر- فيس بوك , وصفحات تواصل التي أخرجت الإعلام التقليدي عن ساحة الهيمنة والتأثير في توجيه الشعوب وتضاءلَ معها دورُ النخب في التحكم والتوجيه للشارع الشعبي واتسع دورُ وتأثيرُ الجماعاتِ الشعبية في التوجيهِ لذلك تميزَ الحراكُ الاجتماعي والسياسي  بأنه ليس حركةً نخبويةً او بتوجيه نخبوي بل ان النخبَ فُوجئت به ، فما حصلَ حركةٌ شعبيةٌ في جوهرها شبابية بامتياز مندفعة بقوة من العزم والإيمان والثابتُ فيها أنها تميزت بغياب البعد الأيديولوجي للثقافة الثورية واستنادها كليا على البعد الوجداني والتلقائي للمفاهيم والقيم التي تتبناها الثورة الشبابية وغياب الخطاب الأيديولوجي الذي يستمدُ مفاهيمه ويؤسسُ نظرياته على أركان القيم الأيديولوجية للمدرسة الاشتراكية اليسارية او المدارس الديمقراطية وهذا الغياب فيه خطورة لان عقود الاستبداد جرّفت الواقع العربي ثقافياً وسياسياً وحزبياً وأسهمت المنظومة الديمقراطية الغربية بإسهام دعمت به منظومة الاستبداد لضمان مصالحها فلم تدعم حتى مستبد عادل مع تلك الشعوب ولم تنتصر لقيم الديمقراطية ونشرها في العالم العربي وإذا ما كانت تدخلات منها فإنها بقصد إرساء مصالح غير ديمقراطية للغرب الديمقراطي أكثر مما هي لدعم الديمقراطية وترسيخها في البلاد العربية ولان الوعي السياسي منخفض لدى الأغلبية الصامتة فقد ربطت ذلك الدعم بالديمقراطية وذلك ترك مساحات فارغة ملأتها وستملؤها تيارات الإسلام السياسي عندما فترت او تفتر وتحجم قوة الاندفاع الشعبي للشارع بتحقيق هدفه باقتلاع الأنظمة او عدم القدرة باقتلاعها وزاد ان هذا الغرب بشقيه الغربي والشرقي كشف عن وجه كريه ودعم استبداد طائفي او ديمقراطية طائفية في العراق وسوريا ما عزز المخاوف بان الغرب يعني بالديمقراطية القبول بالنموذج الغربي وليس ديمقراطية تنبع من خصوصيته ما خلق بيئة لن يؤثر فيها ويقودها الاعتدال بل مرتع خصب لهذه التيارات التي ترى في الديمقراطية شرّا يهدد أجندتها علما ان هذا التيارات قد حاصرها الاستبداد وقمعها حتى تشوه وعيها الإسلامي وبدلا من تقديمها مشروعا سياسيا ومؤسسيا تستمده من المستقبل انكفأت لنموذج الماضي واجترار نموذج عمر " رضي الله عنه " في زمن معقد لن ينتج عمر , وفاتهم لفتة من احد التابعين عندما قيل له ان عمر كان يرقى بالفاتحة فقال الفاتحة هي الفاتحة لكن أين عمر ؟ شخصاً وزمناً بل ان فتوى ابن تيمية بإدارة الدولة بأمراء يحوطهم علماء قد تجاوزت زمانها وأصبحت متحجرة لا تلبي الضرورة السياسية .

 

والأخطر ان أصبحت الأمة المسلمة لدى كثير من المنظمات الحركية لا تتجاوز أتباعها بما يعني انه حتى لو حكمت الجماعات المعتدلة او التي تدعي الاعتدال منها " الاخوان" فبنيتها سترفض الاخر الذي يحمل رؤية مخالفة لها في ضرورة السياسة عدا انها لن تهيمن على كل الجماعات الحركية حتى لو كانت تلك الجماعات الذراع المسلح لها ، وبالتالي بل ستظل مسائل قبولها للمعارضة والعلاقة فيما بينها والعلاقة مع الأقليات الدينية والمذهبية ومسالة العلاقة مع الآخر غير المسلم ومسالة شكل النظام السياسي والحكم عبر المؤسسات ومسالة المرأة وغيرها من المسائل غير محسومة في تلك التيارات او بينها يضاف الى ذلك انه حتى الجماعات التي تدعي الاعتدال طمعا في الوصول للحكم فان نظرتها حول الالتزام بالديمقراطية غير واضحة كما أنها في مسالة مركزية الحكم وقبول الدولة المركبة ودور المرأة وغيرها من المسائل لم تتجاوز مربع الأنظمة التي ثارت الجماهير لاقتلاعها.

بما يعني أيضا ان استيعابها الحقيقي لأطياف المعارضة السياسية ذات الخطاب المدني او المستند الى مصالح وطنية تخلو من الإنشاء الإسلامي في سائر البلاد العربية لن يكون بمستوى واحد ومرجع ذلك لمدى عمق وتأثير الموروث المؤسسي الحديث في المجتمع "الاحزاب ،منظمات العمل المدني والمهني والحقوقي، في كل بلد ومدى تأثير التحديث والتقنية "الجامعات،الصناعة..الخ في تجديد الوعي الاجتماعي فيها .

 

فلو أخذنا نموذجين من الحركات الإسلامية المعتدلة وهما حركة النهضة في تونس والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن " يقدم نفسه واجهة للاعتدال " لوجدنا ان تأثير تلك المؤثرات عميقا في المجتمع التونسي ولا يكاد أن يكون موجوداً في المجتمع اليمني وان حركة النهضة التونسية كانت على عداء وقطيعة مع النظام السابق وان استيعابها للمسائل الأساسية مثل مسالة المعارضة ومسالة الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة ومسالة الإرهاب ومسائل الاختلاف المذهبي والعلاقة مع الغرب ومسالة العلمانية ودورها ومسالة المرأة يختلف ويتضاد مع استيعاب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن لتلك المسائل فهو كان حليفا للسلطة وربيبها شاركتها تياراته قمع التيارات اليسارية والعروبية وكان حليف السلطة في محاربة الجنوب وساهم بنفس مساهمتها في خلق القضية الجنوبية و مازال منغلقا يدير المسائل الأساسية بمنظور اللادولة عبر الاستعانة بالتحالف القبلي وبالفتوى وتكفير المخالفين لرؤيته عبر جمعية تدعي استقلاليتها عنه – لم تفرخ النهضة التونسية مثلها- بينما كل إفرادها ينتمون للإصلاح التي لم يصدر عنها تجريم او إدانة للإرهاب!!

بينما أصدرت فتوى بتكفير استقلال الجنوب وبتكفير الفيدرالية في اليمن بينما حزبها كان مشاركا في إقرارها!! بل ان من قياداته الشابة ، حميد الأحمر ،في مقابلة أخيرة له يدعي ان حزبه شارك في المقاومة الجنوبية وهذا افتراء ، فهذه المقاومة لم تكن قادرة ان تمنع احد من مشاركتها فالسلفيين كانوا موجودين وبعض تياراتهم غير واضح موقفها من استقلال الجنوب وكذا التجمعات القبلية وحتى أنصار الشريعة بل والدواعش وهما تنظيمان حركيان لا يؤمنان بالمسالة الوطنية كانا موجودين اما الإصلاح كحزب وراية فلم يشارك كحزب وانما البعض كأفراد تحت رايات أخرى فقد يكونون موجودين وهذا محافظ عدن السابق تخلى عن أصلاحيته ولم يقاتل تحت رايته اما انه  فُرِض عليه الالتزام " بفتوى الحقن " ومعنى الفتوى ان ما جرى في صنعاء مجرد " ديمه خلفنا بابها  " او انه كان يعلم حقيقة ان الجنوبيين لا يرون فرقا بين الإصلاح والحوثي فالأول عنوان لتحالف الزيدية مع الإخوان " الزخونه "  افتى وشارك في احتلال الجنوب والحوثي الزيدي يريد كالإصلاح إعادة احتلال الجنوب مذهبيا بدون " برقع اخواني " تحت فتوى مذهبية أيضا عنوانها محاربة الدواعش اللهم الا اذا كان أنصار الشريعة والدواعش هي جناح الإصلاح العسكري فهذا علمه عند حميد الاحمر و " خبرته " .

 

وما لم يقله حميد ان الحزب خزّن الكثير من الأسلحة في الجنوب قبل الحرب ولم يستخدمها وألان تتهرب له اسلحة من الجوار - الجوار  الذي قال عنه انه لم يصل لمرحلة الحليف- هذه الاسلحة تصل الى الجنوب وتخزن فيه علما ان  المقاومة الجنوبية لم تحصل على جزء منها لكن هل هي عبر حلقات الأخوان في دول الجوار ام انها تخرج من تلك الدول  باسم تحرير المناطق الشمالية ويخزنها تنظيم الأخوان العالمي في الجنوب للحظة حسم يحسبها !!

 

     ان من المتحولات التي افرزها الحراك الاجتماعي والسياسي أنها أنهت دور القبضة الأمنية الحديدية للأنظمة الاستبدادية وأحزابها وانكسر حاجز الخوف الشعبي منها وفتحت مجالات لحرية الرأي وحرية الصحافة وتأسيس أحزاب ليست صدى لأحزاب للاستبداد او تفريخا لها ومن أخطر وأفضل آثارها على الشعوب والأحزاب انها فتحت المجال لاستخدام السلاح فلا يعتقد أي تيار او حزب مهما كان بطشه انه سيحتكره فقط .