منذ 22 مايو الأسود 1990م وحتى اليوم لأول مرة أشعر وأحس والمس وارى أنني في عدن .. وبأني ما زلت حيا يرزق على قيد الحياة .. أستنشق هواء أجواءها الصافية .. واستشعر متعة بحرها الدافئ واستمتع بمناظر شواطئها الخلابة والجميلة .. وأنا أرى ملامح الفرح والبهجة والسعادة تعود ثانية لترتسم على جباه كل أبناءها الطيبين.
لأول مرة في حياتي أرى أناس تفرح وتمرح وهي تسير في مواكب وجنائز الشهداء .. وتبتسم وهي تعزي وتواسي ذويهم .. والكل يبتسم .. ولا كأنها مراسم حزن ومأتم أسى في فقدان طفلا بريئا خطفت روحة رصاصة قناص لعين مرت من هنا .. أو شابا يافعا قتل شهيدا بارا على تراب وطنه لأنه يدافع عن أرضه وعرضه أو سيدة فاضلة أو شيخا مسنا حصدت أرواحهم ومزقت أجسادهم قذائف راجمات "الوحدة أو الموت" القادمة من هناك.
أو عائلة هدم منزلها هاون عشوائي لئيم أو زلزلت جدرانه صرخات (الموت لأمريكا وإسرائيل) !
منذ 22 مايو الأسود 1990م وحتى اليوم لأول مرة أحس واشعر واقدر معنى وجودي في الحياة .. وحقيقة وجودي في عدن وبأنني فعلا وحقا ما زلت حيا يرزق على قيد الحياة .. واستمتع بلحظة وجود آلهي وحرية مطلقة في الحياة .. لا يوقف سيري أحدا فيها غير أشارات المرور .. ولا يمنعني أو يخضعني أو يسألني احدا فيها غير القانون وحده دون غيره وحضارة ومدنية مجتمعها الحضاري العريق.
كانت معاناة مؤلمة .. وبؤس محزن .. وفقر مدقع .. وآدمية مهانة .. وحياة مذلة .. وأرض مغتصبة .. وحقوق مسلوبة .. باسم الوحدة الممقوتة واللعينة !
ولئن كانت التضحيات كبيرة والثمن دماء عزيزة وغالية .. فأن لحظة حرية في عدن لا تقدر في الدنيا بثمن !
فالليلة أنا فعلا في عدن أذن أنا موجود !
يا جذرنا الحي في الارض تشبث
واضربي في القاع يا أصول
أنا هنا باقون
المجد والخلود للشهداء الأبرار الشفاء للجرحى والمصابين الحرية للأسرى والمختطفين .. النصر والحرية والازدهار لهذا الشعب العظيم .
عدن
14 يوليو 2015م