"ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺍﻟﺴﻌﻴﺪ ﻳﺌﻦ ﻣﻦ ﺁﻻﻣﻪ، ﻭﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘُﺒﺪﻟﺖ ﺍﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻪ ﺑﺪﻣﻮﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺘﻠﻰ ﻭﺃﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﺤﺎﻳﺎﻩ، ﻓﺘﻨﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻘﻮﺩ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﺇﻟﻰ ﺣﺮﺏ ﺃﻫﻠﻴﺔ"، هكذا قال فقيد الدبلوماسية العالمية، الأمير سعود الفيصل، رحمه الله تعالى، في آخر خطاب له بمجلس الشورى السعودي، واصفا الحالة التي نعيشها حاليا وقد وصلنا إلى ما هو أبعد من ذلك.
لم يُأل الراحل وزير الخارجية السعودية السابق جهدا في إدارة ملف الأزمة اليمنية المعقدة للغاية إلى حين وافاه الأجل، باحثا عن الحلول السلمية لإخراج البلد الجار من محنته بعد أن استأثر المتمردين الحوثيين ومن خلفهم صالح باليمن، وهو ما يزال يردد أن "ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺇﺫ ﺗﺆﻛﺪ ﻣﺠﺪﺩﺍ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻷﻱ ﺩﻭﻟﺔ ، ﻭﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ".
وكان الأمير سعود، يرى أن حلّ الأزمة اليمنية "ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ أليه ﺍﻻ ﺑﺎﻻﻧﺼﻴﺎﻉ ﻟﻼﺟﻤﺎﻉ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺑﺮﻓﺾ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﻧﺴﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺗﻤﻜﻴﻦ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻤﻬﺎﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ". هكذا لخص أمير دبلوماسية العالم، في أواخر مارس الماضي، حلّ المعضلة اليمنية المعقدّة للغاية، باعتباره أحد سياسيي العالم المحنكين جدا.
ولعب الفيصل دورا محوريا هاما في في استصدار قرار بالإجماع من مجلس الأمن الدولي المتعلق بضرورة التزام جميع الأطراف اليمنية بحل خلافاتها من خلال الحوار والتشاور، واتخاذ تدابير فورية لمنع الشخصيات الخمس من تلقي أي دعم عسكري خارجي، إلى جانب إدراج زعيم المتمردين الحوثيين ونجل المخلوع صالح ضمن قائمة العقوبات.
خلال أكثر من 40 عاما في منصبه كوزير للخارجية السعودية كأقدم وزراء العالم، رسم الأمير الراحل الخارطة السياسية للمملكة العربية السعودية، من خلال إدارته أعداد كبيرة من الملفات الشائكة، كان أبرزها اتفاق الطائف بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، وحشد المواقف الدولية ضد الغزو العراقي للكويت مسهما في تحريرها، ودوره البارز في إطلاق بلاده لمبادرة السلام بين إسرائيل وفلسطين، وتنبؤه الثاقب بأن الغزو الأمريكي للعراق سيؤدي إلى تدمير متكامل للأخير، ومطالبة بلاده برحيل نظام بشار الأسد، ودعوته مجلس التعاون الخليجي إلى الانتقال من صيغته الحالية إلى صيغة الاتحاد، إلى جانب موقف بلاده تجاه الأزمة اليمنية الراهنة، وبين كل ذلك تخللت العديد من المواقف السياسية كان أبرزها دعمه اللا متناهي تجاه القضية الفلسطينية.
عُرف عن أمير دبلوماسية العالم، رحمه الله، مواقفه الصريحة والواضحة بشأن أي من قضايا العالم دون مواربة، وحنكته السياسية وذكاءه الشديد، ودقته البالغة في التفاصيل، وتعامله الحازم مع الوقت، إضافة إلى اتقانه سبع لغات.
على مدى سنوات ماضية، لم تقف معاناته مع آلام ظهره ورقبته ومضاعفات مرضه حائلا دون مواصلة جهوده الدبلوماسية المتفانية حتى إلى قبيل وفاته بأشهر، بعد أن طلب إعفائه من منصبه كوزير للخارجية دأب على خدمة وطنه في عهد أربعة ملوك متعاقبين، قبل أن يتوفاه الأجل الخميس المنصرم.
تغمده الله بواسع رحمته، وألهم أهله وذويه ووطنه ومحبيه الصبر والسلوان..
* رئيس مؤسسة (الحقيقة) للأعلام - رئيس التحرير