تواصل عدن وإلى جوارها مدن يمنية أخرى، نزيف دماء أبناءها ثمنا لمخطط دولي كبير يرمي إلى خلق شرق أوسط جديد مشغول بصراع ذاته، بتسهيل من أكبر منظمات العالم التي غالبا ما تنظر إليها دول العالم الثالث كنصير دائم لقضايا الضعفاء، غير أنها استمرأت الخضوع للهيمنة الدولية.
يوما بعد آخر، يجرع المتمردون الحوثيون ومن خلفهم قوات المخلوع علي عبدالله صالح المدنيين في عدن ويلات جرائمهم المتتابعة، ويقصفون المدن المتبقية المكتظة بعشرات الآلاف من النازحين على مرأى ومسمع العالم، في حين يسعى المجتمع الدولي إلى إيجاد طاولة مشتركة لمن أسماهم ب"الأطراف اليمنية" دون تعريج على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ينتهكا المراهق عبدالملك والمراوغ صالح بحق المدنيين العزل.
هل يعقل أن ينجح الوغدان، صالح والحوثي، في مراوغة أكبر قوة في العالم، من خلال إطالة أمد المشاورات اليمنية التي تسبق أي اتفاق إلى حين تحقيق أكبر مكاسب على الأرض؟ كما فعلوها في محافظة الجوف، وكما يفعلونه ألان في سعيهم الحثيث إلى تشكيل حكومة كأمر واقع تضطلع لاحقا بالمفاوضات المقبلة كند للحكومة الشرعية..
ظننا في بداية الأمر أن صفحة "جمال بنعمر" قد طويت ليبدأ العهد الجديد للعصا الدولية في قمع الأيادي المتطاولة في اليمن، لكن ذلك لم يكن سوى سطر جديد في ذات الصفحة. عُين "ولد الشيخ" كمبعوث أممي إلى اليمن ليواصل ما بدأه "بن عمر".. لا شيء جديد هنا!!.
تجسد دور "ولد الشيخ" بالإخفاق الذي مُني به مؤتمر جنيف الذي منح المتمردين الحوثيين وحليفهم صالح اعترافا دوليا كطرف شرعي، ليؤكد عدم امتلاك الأمم المتحدة رؤية لحل معضلة اليمن، إلى جانب إرسالها وسيطا ذو قدرات (إغاثية) محدودة، لملف بالغ التعقيد كالملف اليمني، كأول ملف سياسي يتلقاه رجل لا يمتاز بالحنكة السياسية التي يجب توافرها في الوسيط الأممي.
يبدو واضحا وجليا دور الأمم المتحدة المشبوه في اليمن، كغيرها من الدول العربية الشقيقة، فمسألة تخليها ﻋﻦ ﺷﺮﻁ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﺒﻨﻮﺩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ 2216 ﻛﺄﺭﺿﻴﺔ ﻟﻠﺤﻮﺍﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻗﺎﺀ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﻴﻒ كانت شاهدا كبيرا إلى جوار شواهد أخرى عديدة، لم تستثن منها عمليات الإغاثة الإنسانية.
حين اتفق اليمنيون على مخرجات مؤتمر الحوار وفقا للمبادرة الخليجية التي تمثل المخرج الوحيد للأزمة اليمنية، كان يفترض بالأمم المتحدة أن يكون لها دورا إيجابيا في دعم ذلك، لا أن يترك وجه إيران في اليمن يطل بتجاعيده من جديد ليخلق أزمة جديدة ينفرط بعدها عقد الأزمة بينما وسيطها الدولي يبحث عن الفاعل على الرغم من مشاركته مأدبة الغداء في صعده!!.
وحين أمن صالح والحوثيين مكر المجتمع الدولي وقواته العظمى، ارتكبوا وسيظلون يرتكبون أبشع الجرائم المروعة بحق المدنيين الآمنين بمنازلهم دون حسيب أو رادع دنيوي، طالما أن العصا الدولية الرخوة لن تطالهم، بل تشجعهم ضمنيا على فعل ذلك، والظروف الرخوة دوليا .
باتت المخاوف اليوم من تكرار صالح بمساعدة حلفاءه المراهقين من تكرار قبحه الماضي قبل 21 عاما، بإسقاط عدن وما جاورها مرة أخرى في السابع من يوليو، كما فعل في عام 1994م، فاستهداف مدن عدن الأخرى في هذا التوقيت وبهذا الشكل مؤشر خطير على نيته تكرار فعلته مجددا، يزرع بقذائفه الرعب في قلوب الآمنين، ويترك لهم عشرات الشهداء كأنموذج لما هو آت ليجبرهم على مغادرة مدنهم والنزوح مرة أخرى، تمهيدا لاجتياحها ليسقط عدن كليا.. وأتمنى كل التمني أن لا يتحقق توقعي هذا.
فحالة اليوم شبيهة بما حدث في 1994م، حين كان صالح يبدي استعداده لتنفيذ قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف لإطلاق النار، ليذهب هو في اتجاه استجماع القوة العسكرية وحشدها على أبواب عدن ليصدر القرار فيما قوات صالح تجتاح مدينتي عدن والمكلا وسيطرت عليهما