تقرير مدعم بالوثائق قدمته الايام لمؤتمر الحوار عن نهب الاراضي
على رغم مرور سنتين على تشكيل لجنة لمعالجة قضايا الأراضي في جنوب اليمن، يبدو أن حلّ هذا الملف الشائك والمعقّد ليس وارداً أقلّه في المدى القريب، وزاده تعقيداً اضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية، إذ تسيطر «جماعة أنصار الله» (الحوثيون) على صنعاء منذ 21 أيلول (سبتمبر) الماضي وتوسّعت في عدد من المحافظات، فيما يمارس الرئيس عبد ربه منصور هادي مهماته من مدينة عدن كعاصمة موقتة.
وتشير تطوّرات الأحداث، إلى أن قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية التي تشمل عدن وحضرموت وأبين ولحج والضالع والمهرة وسقطرى، ستظل مفتوحة لسنوات مقبلة بما لها من تداعيات اقتصادية وسياسية وأمنية، في ظل الصراع السياسي الدائر حالياً.
وظهرت قضايا الأراضي إلى العلن منذ تحقيق الوحدة اليمنية، وتفاقمت عقب حرب صيف عام 1994 التي انتصرت فيها «قوات الشرعية» بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، على «قوات الانفصال» بقيادة نائبه السابق علي سالم البيض.
واستناداً إلى التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن، والمنشأ عملاً بقرار مجلس الأمن الرقم 2140 لعام 2014، تلقّى الفريق خلال الزيارة التي قام بها لعدن في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عدداً من الشكاوى في شأن المسائل المتعلّقة بالأراضي. إذ ذكر محاورون أن أعمال لجنة معالجة قضايا الأراضي «كانت مختلة أو اتّسمت بالبطء الشديد»، وروّج بعضهم مزاعم بوجود فساد. في حين أشار آخرون إلى أن غياب الإرادة السياسية يعوّق تنفيذ ما ورد في الوثيقة الختامية الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني. وأوضح التقرير أن المنظمات الدولية تؤكد أن «عدم وجود دعم سياسي يشكّل إحدى العقبات، إذ لم تنفّذ حكومة الرئيس هادي الحالية أي توصية من تلك الصادرة عن لجنة معالجة قضايا الأراضي». ولفت إلى أن رئيس الوزراء يرأس صندوق التعويضات، فيما تتألّف اللجنة التوجيهية من أعضاء من الحكومة، فهي «ليست هيئة مستقلة».
وأفاد بأن أحد المحاورين أشار الى أن «أشخاصاً مسلّحين انتزعوا أرضه في شكل غير قانوني، زاعماً أن أحد أعضاء المجلس المحلي هو الذي أرسلهم. وكانوا قد انتزعوا أرضه في أيلول عام 2013، ودمّروا علامات ترسيم حدودها بالجرّافات، وزعم أنهم فعلوا ذلك بهدف الحصول على سندات ملكية أراض استثمارية في المنطقة الحرة». واعتبر أن هذه الحالة «توضح المدى الذي وصلت إليه مشاريع الإسكان التجارية الكبرى، ومشروعا المنطقة الحرة وميناء عدن التي يشارك فيهما بعض أصحاب النفوذ الاقتصادي الرئيسيين في اليمن، في إطلاق العنان لنزاعات على السلطة تنطوي على ممارسات جنائية».
ورأى أن مسألة الأراضي في جنوب اليمن «تشكّل قضية أساس في عملية الانتقال السياسي، وسُلّم بذلك في نتائج مؤتمر الحوار الوطني. ذلك أن الأمر يتعلّق بمعضلة متعدّدة المستويات وشديدة التعقيد، لأن التظلّمات تعود إلى سبعينات القرن الماضي عندما كان تأميم الممتلكات الخاصة جزءاً من السياسة الدستورية لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (سابقاً).
ولاحظ وجود «قطع كثيرة من الأراضي وراء كل منها مطالبون، ما يجعل التحقق من شرعية سندات ملكيتهم لها أمراً صعباً. ونظراً إلى القيمة الاقتصادية لهذه الأراضي، تساهم هذه المسألة في تأجيج الصراع على السلطة. وحتى الآن، لم يتمكّن الفريق من تحديد أية حالات ملموسة تبيّن النشاطات المخرّبة المتصلة بهذه الظاهرة».
ونظراً إلى أهمية القضية في إطار السلام والأمن والاستقرار في اليمن، سيجري الفريق مزيداً من التحقيقات في النزاعات المتصلة بملكية الأراضي، في أي ولاية يكلّف بها في المستقبل.
ولفت التقرير إلى أن رئيس الجمهورية وبموجب القانون الرقم 21 لعام 1995، «يتمتّع بصلاحيات تخوّله توزيع سندات ملكية أراض تملكها الدولة. ويعرض أصحاب الأراضي السابقون حالياً بعض هذه القضايا على لجنة الأراضي لتنظر فيها. ووفق ما ذكر المحاورون الذين عرضوا هذه القضية على الفريق، لا تزال التحالفات التي عُقدت مع النظام السابق سارية، وهي تحول دون تسوية هذه القضية وقضايا أخرى مماثلة».
وأكدت مصادر يمنية جنوبية لـ«الحياة»، أن الأراضي الخاصة بأبناء الجنوب تعرّضت للاستيلاء من قبل متنفّذين وشيوخ قبائل ومسؤولين في السلطة على نطاق واسع.
وقدّرت العدد الإجمالي للمتضرّرين بنحو 221 ألف أسرة، مشيرة إلى أن مصلحة أراضي الدولة وعقاراتها «التي دمجت في ما بعد في الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، لعبت دوراً في تغيير وثائق ملكية الأراضي والسجلات في الجنوب». وأوضحت أن المصلحة «قامت في محافظة لحج بالتزوير بهدف النهب والتلاعب بوثائق ملكيات هذه الأراضي التابعة لأبناء محافظة لحج. كما حُفرت الآبار الارتوازية في الأراضي الزراعية وحُوّل بعضها إلى معامل للطابوق (البردين) وكسّارات كما حدث في بستان الحسيني الأثري، بهدف تدمير الأراضي الزراعية والتي تظهر عمليات التدمير المنظّمة لها تعمّد الدولة الإضرار بالمزارعين». وأشارت المصادر إلى الاستيلاء على 4.5 مليون متر مربّع من الأراضي المصروفة للمستثمرين، وإعادة صرفها لشيوخ قبائل وتجار متنفّذين ووزراء وقادة عسكريين كبار. كما استولت الهيئة العامة للمناطق الحرة (ألغيت في ما بعد) على 232 مليون متر مربّع، صرفت نسبة عالية منها لمستثمرين وهميين ومتنفّذين، لم ينفّذوا المشاريع التي تقدّموا بها بل عملوا على الإتجار بالأراضي.
وأوضحت أن «المؤسسة الاقتصادية اليمنية» استولت على 10.3 مليون متر مربّع من الأراضي الخاصة بالمرافق الحكومية ووزّعتها على متنفّذين شماليين.
كما مُنعت المحاكم من قبول أي قضايا حقوقية تخص الأرض، ومن تنفيذ الأحكام التي بُتّت منذ العام 1994. ومُنع السجل العقاري من تثبيت أي حقوق للجنوبيين تخص الأرض، حتى ولو كان صدر فيها حكم قضائي نهائي منذ العام 1996، فضلاً عن تعطيل تنفيذ الحلول التي أقرّتها اللجان الحكومية المتعاقبة لحل مشاكل الأراضي، واستخدام القوات المسلّحة والأمن للاستيلاء على الأراضي، وتسهيل استحواذ المتنفّذين عليها وامتلاكها أو البناء عليها أو بيعها.
وأوكلت إلى «لجنة نظر ومعالجة قضايا الأراضي» المشكّلة بقرار عام 2013 والتي ضمّت قضاة، مهمة النظر في «الادّعاءات بالانتهاكات التي وقعت على العقارات والأراضي العامة والخاصة منذ العام 1990». وأعلن رئيس اللجنة القاضي صالح ناصر طاهر، أن اللجنة تسلّمت 127 ألف تظلّم تتعلّق بقضايا الأراضي على مستوى المحافظات الجنوبية، في حين عُولج 30 ألف تظلّم».
* متابعات - الايام