مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن.. في اسوأ حالاته

2015-03-06 14:07
مستشفى الجمهورية التعليمي بعدن.. في اسوأ حالاته

غرفة معاينة في قسم الطوارئ

شبوة برس - متابعات - عدن

 

* تقرير يتحدث عن الحالة المزرية والمحزنة التي وصل اليها مستشفى الجمهورية التعليمي الذي تشرف عليه جامعة عدن .

 

 

القمامة والمياه الآسنة تحيط بالمرضى فيه.. مستشفى الجمهورية بعدن.. موظفون مضربون عن العمل ومرضى لا يجدون من يطبب حالاتهم

كانت زيارتي لأحد المرضى في مشفى الجمهورية بعدن سبباً رئيساً للاطلاع على أوضاعه التي تكاد تكون مأساوية في عالم المستشفيات الحكومية.

عند ولوجك إلى بعض أقسام هذا المشفى سيكون أول المستقبلين لك مياه الصرف الصحي وروائحها التي تملأ المكان، مرضى تحيط بهم هذه المياه الآسنة، أوضاع سيئة، وأكثر سوءًا أن يكون وضع مستشفى الجمهورية هكذا حاله، بعد أن كان يشار إليه بالبنان في قوة خدماته الصحية وكفاءة كوادره وغيرها.

عمال مضرون عن العمل، وأطباء لايؤدون أعمالهم لعدم الحصول على مستحقاتهم، ومن بينهم من مرض بسبب تلك المعاناة.

 

«الأيام» استطلعت أوضاع هذا المشفى وخرجت بالمعاناة والهموم الآتية:

 

عند دخولك إلى قسم الطوارئ (أكنتَ مريضاً أم زائراً) ترى الموت بأم عينيك وتعيشه بكل سكراته بسبب الوضع المزري في هذا القسم، حيث تنتشر النفايات من مختلف الجهات ومرضى منتظرون تلقي العلاج أو إجراء عملية، مرضى يرقدون في غرف غير لائقة المنظر فيها أسرّة قديمة قد عفى عليها الزمن.. كان لدي فضول بأن أتحدث مع أحد المرضى عن معاناته فقال: “هذا اليوم الثاني لي هنا أنتظر لإجراء غسيل الكلية”، ويضيف: “وأتفاجأ اليوم بإخباري أن الملف الخاص بي قد فُقِد”.

 

القسم الخاص برقود النساء ليس أحسن حالاً من غيره والوضع فيه لا يختلف، حيث إن مجاري الحمام هي أول من يستقبل المرضى والزائرين له، وفي مثل هذا الجو والوضع الذي تحيط مياه الصرف الصحي بالقسم والراوئح التي لا شيء يعلو عليها في المكان قعدت مع إحدى المرضى التي ترقد في هذا القسم لتحدثني عن حالها وما تعانيه فقالت: “أعاني من كيس في جدار المعدة ولي أسبوعان هنا، وقد أجريت لي كافة الفحوصات اللازمة، وأخبرني الأطباء بأن عمليتي كبيرة، وبناءً على ذلك تم عرضي على أكثر من طبيب، كما أنني أيضاً مصابة بمرض السكر، وعندي مشاكل في مفاصل قدمي”، وبمرارة أضافت: “لقد كان من المقرر أن تجرى لي العملية يوم الثلاثاء الماضي ولم تجرَ لي بذريعة أنهم مضربون”، وأردفت: “حينها أخبرني أحد الأطباء أنه سيقوم بإجراء العملية لي شريطة أن أقوم بكتابة تعهد في حال تعرضت عمليتي لعملية جرثمة بأنه غير مسئول عن ذلك قائلاً: (نحن نعمل بدون راتب)”.

 

غرفة في القسم الخاص في المسشتفى

 

خاتمة حديثها بالقول: “منذ دخولي المستشفى خسرت مبلغ 90 ألف ريال ما بين علاج وفحوصات وغيرها، في حين نقوم بشراء حقنة الأنسولين من الصيدليات الخارجية لعدم توفرها في صيدلية المشتشفى”.

 

مريضة أخرى شكت همها ومشكلتها التي تواجهها في هذا المشفى بالقول: “أنا متواجدة في هذا المستشفى منذ 15 يوماً، نتيجة لتورم قدمي والناتج عن إصابتي بمرض السكر”، وتضيف: “لقد رقدت في البدء بقسم الطوارئ وفيه أجريت لي عملية صغرى وهي عبارة عن كشط في باطن قدمي وقيمتها خمسة آلاف ريال، ومن ثم تم تحويلي إلى القسم الخاص برقود النساء وفيه يتم تضميد قدمي كل صباح، ولكن اليوم (أمس) لم تتم لي عملية التضميد بحجة الإضراب”.

 

وأردفت: “الصيدلية الخاصة بالمستشفى تعمل على توفير المطارش، والدريبات، في حين لم توفر مادة الأنسولين الخاصة بمرضى السكر”.. وشكت المريضة من عدم التزام الأطباء بدوامهم قائلة: “الأطباء لا نراهم إلا في الصباح فقط، أما يومي الخميس والجمعة فلا تواجد لهم نهائياً”.

 

قسم الرقود الخاص بالنساء وضعه لا يصلح للقعود فيه ولو لبعض الوقت، فكيف بالمبيت والمكوث فيه لأيام، والجو العام فيه يعمل على مضاعفة الأمراض لدى المرضى، الأمر يجبر كثيرا من المرضى على الانتقال إلى القسم الخصوصي هروباً من الأوضاع المزرية فيه كغياب النظافة وانبعاث الروائح الكريهة وانتشار البعوض بكثرة لاسيما في أوقات المساء”.

 

**متاجرة في العمليات**

 

 

حمام قسم الطوارئ

 

عامل إسعاف في المشفى يعمل منذ ثلاثين سنة تحدث حول الموضوع لـ«الأيام» قائلاً: “إن الإمكانات متوفرة بشكل كامل لدى المستشفى ولكنه يوجد طابور خامس (أطباء وممرضون) وهذا الطابور وظيفته إعاقة عمل مستشفى الجمهورية لمصلحة مستشفيات القطاع الخاص”. ويضيف: “إن عمليات العظام في المستشفى تجرى بأسعار خاصة وليس بالأسعار الرسمية التي لا تتجاوز تكلفتها 15 ألف ريال، كما أن الأطباء يقومون بتحويل العمليات العامة إلى عمليات خاصة والتي تتجاوز قيمتها 150 ألف ريال”. وأعاد عامل الإسعاف في المشفى تردي الأوضاع في مشفى الجمهورية إلى مكتب الصحة لعدم قيامه بتحديد آليات العمل وأسعار العمليات وإلزام الأطباء بالعمل في دوامهم الرسمي في المرافق الصحية الحكومية”.

 

ولمعرفة أسباب غياب النظافة في مستشفى الجمهورية توجهت «الأيام» بالسؤال إلى العاملين في المستشفى والذين أعزوا غياب النظافة في المشفى إلى إضراب عاملي النظافة نتيجة عدم استلامهم رواتبهم منذ أربعة أشهر، إضافة إلى الممرضين والممرضات الذين لم يستلموا كامل مستحقاتهم منذ ثلاثة أشهر.

 

وأشار أحد الأطباء لـ«الأيام» إلى أن الموظفين باتوا لا يستطيعون القيام بأعمالهم بشكل كامل في ظل إضراب الممرضين والممرضات، الأمر الذي أجبر الممرضين على الاكتفاء بتقديم ما لديهم للحالات المرضية المتواجدة في المشفى فقط، ورفض استقبال أية حالات جديدة، لعدم القدرة على تقديم الخدمات الصحية لهم نتيجة لإضراب الممرضين والممرضات”، ويضيف “نحن الأطباء ملتزمون بأداء أعمالنا، لكن الوضع المزري الذي توصلت إليه المشفى يعيق ويؤثر على أدائنا لعملنا”.

 

 

سيدة مصابة بمرض السكر تحاول الوصول إلى سريرها

 

ومحاولة منا لمعرفة أسباب تلك التجاوزات في المستشفى توجهنا إلى مدير المستشفى علي عبدالله صالح الذي تحدث بدوره عما يعاني منه المشفى والمرضى بالقول: “إن غياب النظافة في المشفى ناتج عن عدم حصول عمال النظافة على رواتبهم منذ أربعة أشهر بسبب تأخر مخصصاتهم وعدم تعزيز وزارة المالية والبالغة 87 مليون ريال وهي من ضمن ميزانية المستشفى الذي كان من المفترض على وزارة المالية تعزيزه “التعزيز البنكي” في نهاية السنة الماضية، إضافة إلى أن المالية قد أعطت أمراً للبنك ولكن البنك لم يعزز ذلك نتيجة لعدم توفر السيولة النقدية”.

 

ويضيف: “يبلغ إجمالي موازنة المستشفى النظري مليارين و444 مليون ريال كل ثلاثة أشهر، ولهذا الوضع مزرٍ في المشفى، وغياب النظافة الذي شهده المشفى الإثنين الماضي كان ناتجا عن إضراب عمال النظافة الذي استغرق يوما واحد فقط منذ قيامهم بالإضراب، بالإضافة إلى مشكلة أخرى تتمثل في عدم حصول الشركات الخاصة على مستحقاتهم وهي: الحراسة – التغذية – النظافة – مكافحة الحشرات وهؤلاء لم تتم لهم عملية التعزيز للحصول على مستحقاتهم فقط الموظفون هم من حصلوا على مرتباتهم”.

 

 

وأرجع صالح ما يشهده المشفى من تردٍ في الأوضاع إلى عدم تجاوب قيادة المحافظة ومكتب الصحة، الذين قال: “يتهربون دائما عن مقابلة قيادة المشفى لإيجاد حلول لمشاكله التي يعانيها”، معلناً في ختام حديثه مع “الأيام” عن عزمه على تقديم استقالته لعدم الوفاء وعدم الالتزام بتوفير احتياجات المستشفى بحجة أن المستشفى هيئة مركزية”.

 

ومن خلال جولتي في مستشفى الجمهورية التعليمي دعاني الفضول الصحفي لزيارة القسم الخصوصي في المشفى لإجراء مقارنة بسيطة بين الوضع القائم في القسم العام والقسم الخصوصي، واتضح لي بأن القسم الخصوصي هو الأكثر نظافة ولديه مميزات وتشعر بارتياح وأنت فيه وتعي حجم الفرق بينه وبين القسم العام، فممراته مثالا للنظافة والغرف هادئة ونظيفة وكل شيء فيها جيد”.

 

**الخاتمة**

 

انتهت مهمتي في مستشفى الجمهورية بالخروج منها وأنا كلي ألم وحسرة بسبب ما شاهدته من معاناة، ناس بسطاء يشكون ضعف حيلتهم إلى المولى عزوجل، ليس بمقدورهم الذهاب إلى مستشفيات القطاع الخاص لتكاليفها الباهظة مما اضطر بهم الأمر للمجيء إلى مستشفى الجمهورية الذي على الرغم مما يرون فيها من معاناة إلا أنهم يضطرون للعلاج فيه نتيجة للظروف المادية الصعبة التي يعانونها.. نتمنى من الجهات المعنية أن تقوم بواجبها تجاه هؤلاء المرضى ويعملون على تخفيف معاناتهم لا أن يزيدونهم معاناة إلى معاناتهم.

* الأيام