مقدمة
تقدمت لخصومي بصفقة : إذا توقفوا عن قول الأكاذيب علينا ، سأتوقف عن قول الحقيقة عنهم ( آدلاي ستيفنسون )
على عتبة من الوطن .. وعلى عتبة صحيحة من كل الحقيقة الكاملة .. ثمة ورقة لابد وأن تكتب .. وثمة وقفة مع أمر لابد وأن يستحضر بكل ما فيه من البؤس والشقاء .. الكتابة هنا ليست مقداراً من التجلي ناحية شيء غير معلوم وجهته .. الكتابة هنا هي الحقيقة عنهم وعن آخرين حولهم ..
حضرموت هي كل .. الجنوب
عندما تكون العيون ضيقة لا يمكنها أن ترى كل الجغرافيا ، وعندما تكون العقول مُختلة لا يمكنها أن تعترف بالتاريخ ، هذا ما تلوكه ألسن لا تجيد سوى سرد الخرافة ، فها نحن وهم نقف على مسافة واحدة من حدث واضح في معالمه ، وفي معطياته ، وفي نتائجه ، لأؤلئك الناظرين بعيونهم الضيقة نحتاج في كل مرة أن نعيدهم إلى أن ينظروا في الخرائط السياسية التي ترسم ملامح الدول ، فالدول الصغيرة على الخرائط تبقى صغيرة تكابد الأيام لتبقى هشة وأن ادعت القوة ، وأن هي صنعت لنفسها نطاقات أخرى غير تلك النطاقات الواقعية ، تلزم بمعاهدات الحماية خشية من صبح يأتيها لا تكون شيئاً على الخارطة ، تماماً كما حدث في أغسطس 1990م الكويت ابتلعها العراق قبل بزوغ الفجر بشيء يسير ..
حضرموت عند بعض الحضارمة المأزومين تبدو مشكلة ، تدفعهم عنصريتهم ، وتمنحهم بغضائهم صعوداً على حقيقة التاريخ والجغرافيا ، فحضرموت بمساحتها ليست إطاراً يمكن أن يحتويها ، حضرموت هي هكذا وبدون مسوغات واسعة في مداها ، هذا البعد صنع ذاتياً في حضرموت الحاضنة لكل المهاجرين إليها حتى قبل أن يفد إليها الإمام أحمد بن عيسى المهاجر قادماً من العراق ليسكن هذه الأرض ، ويرسم ملمحاً واضحاً في هذه الأرض التي منذ كانت .. كانت الحاضن الجامع ، هذا المشمول في حضرموت هو المؤسس لحضرموت العالمية ، حضرموت الواسعة خارج حدود الجغرافيا ، هنا لا يمكن إطلاقاً محاصرة حضرموت التي ضاقت بأهلها أصقاع بلاد الشرق والغرب معاً .. ملأ الحضارمة كل مكان بعيد عن حضرموت ناقلين ثقافتهم وخصالهم ، هذه هي الكيمياء الحضرمية التي صنعت حضرموت والتي يوم أن اشتملت يافع كانت هي حضرموت والتي ذوبتهم في ترابها ، وأخذت من أنفاسهم ما جعلت هواء لريحها ، هذه هي حضرموت ..
كتب أحد المأزومين عن أن القادمين من يافع استوطنوا حضرموت كما استوطن اليهود أرض فلسطين ، بل أنه ( شطح ) إلى تشبيههم بالأوربيين الانجلوسكسون الذين أبادوا الهنود الحمر بعد انتقالهم إلى الأرض الأمريكية ثم أقاموا الولايات المتحدة الأمريكية ، حالة من الخروج عن المنطق ، حالة لا تنم عن وعي ، وحالة لا تنم عن مسؤولية أبداً ، فيافع التي قدمت إلى حضرموت جاءت بطلب من السلطان بدر بوطويرق لم تسكن حضرموت بواقع القوة بل سكنت لتكون جزءاً لا يتجزأ من السلم الأهلي الحضرمي ، حتى اندمجت القبائل اليافعية في طول البلاد الحضرمية وعرضها .. وحتى نقف مع عقلية اصحاب المنهج الغير سوي نتساءل .. ألم يسكن حضرموت آل البيت الأطهار فلماذا لم يحضوا في رأيهم بذات ما حضيت به القبائل اليافعية التي استوطنت حضرموت ، ثم أليس جديراً بالاندونيسيين أن يصنفوا الحضارمة على أنهم مساوون لليهود ولقاتلي الهنود الحمر ، فالحضارمة سكنوا بلاداً كثيرة واندمجوا فيها وأصبحوا جزءاً من ثقافتها .. اللحمة الحضرمية هي كما هي الأرض الحضرمية لا يمكن القبول بالمساس بها ، حضرموت وعاء كبير يشمل كل أبنائها بكل أعراقهم وأطيافهم بل ومذاهبهم ومعتقداتهم ..
تذكر الموسوعة اليافعية ما يلي نصاً :
(حرص السلطان بدر بن عبدالله أبو طويرق الكثيري (ت 976هـ) على أن يكون جيشه خليطًا من أجناس وقبائل متفرقة : من يافع وزيود وأتراك وغير ذلك وفي سنة 925هـ سافر السلطان بدر أبو طويرق حتى وصل إلى اليمن في شهر ذي الحجة ، وطلب من الإمام أن يمده بجيش ، ووقع اختياره على يافع ، وانتخب منهم خمسة آلاف ، وسار بهم إلى حضرموت ، ولما وصلوا إلى الشِّحْر تخلف عنه جماعة من يافع وأقاموا فيها ، وسار بالبقية إلى دوعن وأبقى فيها جماعة من آل البكري واليزيدي والبطاطي، ثم سار إلى شبام وعلمت قبائل نهد بقدومهم فاحتشدت في بحران لصدهم ، والتقى الفريقان هناك ، وكانت معركة عنيفة، وكان النصر حليف بدر ومن معه، وتخلف في بحران جماعة من بني بكر، ثم سار إلى شبام وسيطر عليها في شهر رجب 926هـ وحصَّنها بالموسطة، ثم سار إلى تريم وضمها سنة 927هـ، وعزل محمد بن أحمد بن جردان، واتخذ تريم مركزًا لدولته وحصنها برجال من يافع، وجعل عليها آل البعسي، وجعل في سيئون آل الضبي، وسار إلى هينن وضمها ، ثم أرسل جماعة من يافع إلى السلطان محمد بن عبدالله بن جعفر الكثيري ليضمهم إلى الجيش لتعزيز الشِّحْر ، ولتأمينها من غارات الأعداء وقطاع السبيل ، وبهم أعاد أبو طويرق ملكه ، وثبت سلطانه ، وأطلق عليهم لقب (النقباء)، وهي رتبة عسكرية ، ووظيفة سياسية لممارسة العدالة نيابة عنه، إلى جانب الحكم المطلق في نطاق الوظيفة المكلف بها كل نقيب في المنطقة التي وُضع فيها )
وجاء ذكر أول وفد يافعي نزل إلى حضرموت نصاً بحسب الموسوعة :
(لا نعرف بالتحديد أول نـزول يافعي إلى حضرموت، غير أن الأمر المؤكد أنها كانت أسرًا خرجت على شكل أفراد ، إما للتجارة ، وإما هروبًا من الثأر ، وإما سياحة في الأرض ، وقد ذكر بامطرف أن الوجود اليافعي كان في حضرموت منذ العهد الثاني للدولة الحميرية قبيل الإسلام ، وهو الوفد الذي قدم به (سيف بن ذي يزن) ومعه الجيش الفارسي لتحرير اليمن من الأحباش ، واندرج على أقلام كتَّاب التاريخ الحضرمي بتسميتهم (يافع التلد) ، وقد أبرمت يافع معاهدات التحالف وحسن الجوار مع القبائل المجاورة لمنطقتهم القطن ولعل من هذا الوفد تلك العائلات القديمة التي تنسب أصولها إلى يافع كـ(آل بامعس، وآل باجبع، وآل الجريدي، وبو زيدان، والبكيلي) وغيرهم ، وهؤلاء قبائل قديمة موغلة في القدم ) ..
فعن أي تغيير ديمغرافي يتحدث الجاهلون ؟؟ ، إذا كانت يافع قد استوطنت حضرموت عبر ما يزيد عن القرن من التاريخ الحضاري فكيف لا يمكن اعتبارها جزء لا يتجزأ من حضرموت هويةً وحضارةً وثقافةً بل ونسباً وصهراً وهماً واحداً مشتركاً .. يافع هي حضرموت ومنها انتقلوا كما انتقلت قبائل وأسر كثيرة استوطنت جاوه وماليزيا وسنغافورة والهند وزنجبار ونجد والحجاز ، لا يمكن أن نخلع يافع من ذات الأرض الحضرمية ، ولا يمكن لحضرموت أن تنزع عن نفسها عالميتها ونطاقها المحيط الجامع .. حضرموت هي وعاء عميق حاضن للشعوب والثقافات ، هذا هو الامتياز الذي صنعته حضرموت في هويتها وموروثاتها ..ولدلك اسمها باق ومحفوظ .
إما وثيقة .. وإما تعالوا إلى الوطن
يعيش بعضاً من الموهومين المغيبين خارج حدود الحقيقة ، يمارسون الكذب والدجل والبهتان ، ويدعون ان بريطانيا قد منحت حضرموت حق الاستقلال في التاسع من يناير 1968م ، والحقيقة أن رابطة الجنوب العربي هي التي حصلت على هذا الوعد بجلاء بريطانيا عن مستعمرة عدن والمحميات الغربية والشرقية ، بمساحة الجنوب العربي مشمولة فيها حضرموت أيضاً ، هذه هي الجزئية التي مازال البعض يدندن حولها دون أن يخرج بها أي وثيقة تؤكد صحة مزاعمه ، ومع ذلك فأن التاريخ يقول بان حضرموت كما هي عدن وشبوة ولحج والمهرة والضالع وأبين كلها مجموعة ببعضها سقطت في توقيت واحد وأعلن عن قيام الدولة اليمنية الخطأ ، في التاريخ الخطأ ، في المكان الخطأ ، وتم اختطاف الجنوب العربي كاملاً في جريمة سياسية كاملة لتخضع الجغرافيا وعليها الإنسان لواحدة من محطات التاريخ الأكثر بشاعة ليس بسبب الاتجاه ناحية اليسار الفكري بل لأن المنهج اليساري لم يكن ليستقيم مع نمط المجتمع في شبة الجزيرة العربية ، كما أن حكام الجنوب من الجبهة القومية فشلوا في إدارة دولتهم وفقاً بما تقتضيه المرحلة التاريخية ..
أن المرور على تاريخنا يحتمل اليوم مسؤوليتنا تجاه الجيل الحاضر والأجيال التي ستأتي ، فحضرموت ليست مجرد قطعة أرض تحمل في مضامينها الإرث الحضاري الكبير وإلا لاختلفنا في جغرافيتها وحدودها، بل هي هوية أصيلة بين عموم العرب ، هذه الهوية هي التي تدفعنا في هذا التوقيت من التاريخ أن نجعلها إطاراً للدولة التي من خلالها علينا أن نستعيد خطأ 30 نوفمبر 1967م ، فالخطأ لا يجب أن يعالج بخطأ ، وما وقعت فيه حضرموت والجنوب يصحح من خلال معطيات الحاضر المعاصر والتي تقول بوضوح أننا نخضع لاحتلال يمني استباح الأرض وما على الأرض وما تحتها ..
استيراد الأزمات التاريخية لن يكون في مصلحة أي طرف غير طرف المحتل اليمني ، وعلى هذا فأن لصنعاء عصابتها في حضرموت والتي لم تستطع إصدار بيان تستنكر فيه اعتقال الحوثي لرئيسها الفخري الذي ظهر كفأر مذعور في قفص ، كذلك هي العصبة وهي تنفخ في نار تحت رماد خامدة ، تحاول إشعال الحريق إنفاذا لتوجيهات عليا لعلها تسقط أو تأجل استقلال حضرموت الاتحادية بشامل أراضيها من المهرة إلى باب المندب حيث عدن كانت يوما جوهرة للتاج الملكي البريطاني ..
حضرموت الجامعة في محراب الجامع
نشرت وثائق " المؤتمر الجنوبي الجامع للتحرير والاستقلال " ، وتضمنت ما كان مأمولاً من الذين تحملوا المسؤولية تجاه الإنسان والأرض والتاريخ ، الذين نجحوا في اغتنام اللحظة الصحيحة ليكتبوا وثائق هي الوسيلة الأكيدة ليعبر إنسان جنوب شبة الجزيرة العربية بكل آماله وتطلعاته لمستقبل يمكن معه التغيير الحقيقي ، ويمكن به قيام دولة تحترم حقوق الإنسان على أرضه ، ما حرم منه الإنسان على امتداد المسافة بين عدن وحوف هو ما يجب أن يكون فعلاً وقولاً بحسب ما يجب أن تكون مسؤوليتنا جميعاً تجاه ما جاء في وثائق المؤتمر الجامع ، فالهوية التي يجب أن تكتسي الوطن هي تلك الهوية الضاربة في جذور التاريخ البشري ، هوية حضرموت القادرة على أن تكون عوناً للمواطن في حضوره داخل موطنه واتصاله بكل بلاد الدنيا ..
ما حصده الوطن أخيراً من توافقات سياسية محمودة تجاه المؤتمر الجامع يعزز القدرة على المضي نحو التحرير والاستقلال الصحيح باعتبار أن المؤتمر الجامع هو جسر عبور آمن للوطن بعد تغييب لنصف قرن من التاريخ ، وما التوافقات التي أبدتها المكونات السياسية إنما تضعنا جميعاً أمام موقف جدير أن نكون فيه كل في مكانه من العمل الوطني الذي عليه أن يتجاوز كل محطاتنا القديمة والمتأخرة ، وأن كانت مسؤولية الإعلام الوطني هي الأكثر إلحاحاً في هذا التوقيت من التاريخ الوطني ..
بين حضرموت وبين خصومها علاقة لن تنتهي أبداً ، فالهوية هي معركة لكل أبناء الوطن الذين عليهم أن يتعلموا من المأساة الطويلة التي وقعوا فيها ، وعليهم أن يتخلصوا من الفاجعة التي أصيبوا بها قبل خمسة عقود مضت فالعالم لا يتوقف عند المصابين بالمآسي والمحاصرين بالفواجع ، العالم يمضي ولابد وأن نكون معه قادرين أن نقدم للبشرية شيئاً يمنحنا الكرامة على أرضنا قبل أن نمنحها نحن للآخرين