مثلت ثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد المستعمر البريطاني منعطفاً مهماً في تاريخ الجنوب السياسي والجيوسياسيي فأكبر منجزات المجد الأكتوبري – كما نعلم – إقامة الدولة في الجنوب على تلك الرقعة الجغرافية الممتدة من حدود عمان شرقاً وحتى باب المندب غرباً، إذ لم تشهد هذه الرقعة الجغرافية إقامة دولة متماسكة بكيان سياسي واحد إلا بعد انتصار ثورة الرابع عشر من أكتوبر ونيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م.
كان الجنوب قبل ذلكم التاريخ عبارة عن دويلات صغيرة (23 سلطنة ومشيخة)، لا يجمعها كيان سياسي واحد وبناءًا على ذلك كانت الثورة الأكتوبرية بمثابة نقطة تحول في التاريخ السياسي الحديث للجنوب المتمثل ببناء الدولة الجنوبية التي سميت "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" حتى العام 1990م.
نعم لقد استطاع جيل أكتوبر أن يحقق تقدماً كبيراً على طريق الدولة المدنية، دولة المؤسسات والنظام والقانون رغم العقبات والعثرات والتحديات المتعلقة بالجانب البنيوي للدولة لأنه –كما أشرت – لم تكن هناك أصلاً دولة متجذرة في الجنوب تضم هذه الجغرافيا الكبيرة خلال فترة ما قبل الاحتلال وحتى العام 1967م،ومما لا شك فيه إن تجربة الدولة في الجنوب كانت ناجحة جداً وحققت قدراً من الاستقرار انعكس على حياة الناس بمختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. كل ما حققه الجنوب من نهضة على المستويات كافة أصبحت بين لحظة وأخرى هباءًا منثوراً بعد فشل مشروع دولة الوحدة واسقاطها بالحرب العدوانية على الجنوب في العام 1994م وما تلاها من ممارسات عنصرية مقيتة ونهب وسلب للممتلكات العامة والخاصة وتدمير مؤسسات الدولة الجنوبية وإخراج الشريك الجنوبي خارج المعادلة السياسيةوتحول الوضع إلى وضع أسوأ من الاحتلال.
لست هنا بصدد شرح عملية بناء الدولة في الجنوب بقدر ما حاولت البدء بمقدمة تاريخية مختصرة توصل الفكرة بوضوح.
تهل علينا الأسبوع المقبل الذكرى 47 لعيد الاستقلال الوطني للجنوب في 30نوفمبر 1967م، جاءت هذه المناسبة في ظل زخم ثوري كبير يعيشه الجنوب وتصعيد نضالي سلمي غير مسبوق يعتصم فيه شعبنا في ميادين الشرف ثابتا دون كلل أو ملل من أجل استعادة دولته المغتصبة وإعادة بنائها من جديد وتحقيق النصر المؤزر لتحلق راية الجنوب عالياً فوق السحاب وهو بهذا التصعيد الثوري يثبت للجميع بأن تجاوز إرادته - أي شعب الجنوب- أمر غير مقبول وسيتصدى شعبنا الجنوبي العظيم بنضاله السلمي الديمقراطي لكل محاولات تجاوزه وتزوير إرادته تأتي هذه المناسبة الغاليةفي وقتٍ دقيق وحساس ومتغيرات كبيرة ربما لم يكن متوقعاً أن تحدث بهذه السرعة وهذا الظرف، فسقوط أحد أهم مراكز النفوذ والطغيان ممثلاً بعائلة الأحمر التي ارتكبت مختلف أنواع الجرائم بحق شعب الجنوب ونهبت ثرواته ومقدراته بالتعاون مع المخلوع على صالح، وظهور أقطاب نفوذ أخرى في الشمال ودخول البلاد في نفق لا أحد يدري أين نهايته وهو ما سيلقى بظلاله على قضية شعب الجنوب العظيم الذي يناضل من أجل استعادة دولتهالمستقلة كاملة السيادةبحدودها قبل تاريخ 22 مايو 1990م.
دفع شعبنا الأبي خلال فترة نضاله الشاق ثمناً غالياً من خيرة شبابه ونسائه وأطفاله ورجاله بين قتلٍ واعتقالٍ وتعذيبٍ وتشريد كل ذلك ثمناً للحرية والكرامة والعزة لأنه شعبٌ يأبى التركيع والخنوع مهما مورس ضده من اضطهاد وتنكيل مستنداً إلى قوة الحق والإرادة التي تجلت واضحة في الفعاليات الجماهيرية الحاشدة والتي كانت آخرها يوم 14 أكتوبر 2014م والتي جسد فيها هذه الإرادة التي يستحال الوقوف في وجهها.
الذي أود قوله إنه علينا أن ننظر إلى التطورات المحيطة بنا ونقرأها قراءة صحيحة ومتأنية بعقولٍ مفتوحة لأننا بكل تأكيد جزء لا يتجزأ مما يدور ويعتمل ربما لإعادة ترسيم حدود المنطقة وهذا الصراع المحتدم بين القوى الدولية والقوى الإقليمية وكل صاحب نفوذ يريد أن يوسع نفوذه ليتعدى حدود وسيطرة الآخر.
أمام كل هذه التحديات والصراعات والمصالح المتضاربة تقف ثورتنا الجنوبية وهو ما يستدعي من الجنوبيين أولاً والكلام هنا موجهاً للمكونات والقوى السياسية الجنوبية بمختلف انتماءاتها ومشاربها إيجاد صيغة توافقية تضع مصلحة شعب الجنوب فوق كل المصالح الضيقة وانتشال الجبهة السياسية الجنوبية من حال الإغماء السياسي غير المبرر،فالمطلوب هو إسناد هذه الثورة بغطاء سياسي واسع يجسد وحدة الجنوبيين وتفعيل الأداة السياسية لجلب التأييد والاعتراف الدولي والإقليمي بحق شعبنا في استعادة دولته كاملة السيادة.
ختاماً تهانينا لشعبنا الجنوبي من المهرة إلى باب المندب بقدوم ذكرى الاستقلال الوطني السابع والأربعين الموافق الثلاثين من نوفمبر 1967م، تحية لشعبنا المعتصم في ساحتي عدن والمكلا والذي يستعد لإحياء هذه الذكرى بمليونيةٍ كبرى في عدنفمن نصر إلى نصر أيها الشعب العظيم وأقول:
هلا بك عيد نوفمبر *** وبك كل الجنوب يفخر
أسود ٌ في عدن تزأر***هلا بك عيـــد نوفــبـــر