منهم الأحق بتصدر المشهد

2014-11-23 07:50

 

في كندا قبلت للعمل في شركة معروفة ، واشترطوا  خضوعي لامتحان قبول تحريري، شاق ومضني،  ونجحت والحمد لله وطلب مني  أجابات على اسئلة استمرت 3 ساعات لاجل الفوز بوظيفة عادية، لدى شركة معروفة . ولقد تعجبت وتملكتني الدهشة لطول الامتحان التحريري ، وتشعبه في تخصص وهو -ادارة المواد- . وهو تخصصي ومجال عملي كخبرة لسنوات  طويلة .

 

كما قلت ،عجبت للامتحان فلقد كان في مجال ادارة مواد ،  الا ان الامتحان حشد أساِلة نفسية واجتماعي وسلوكية ، وواجهتني أسأِلة محيرة كان الغرض منها كما يبدو  الكشف عن مكنونات الفرد او الشخصية  . اسئلة وضعت بكل ذكاء وفطنة، و ربما من وضعها هم خبراء في علم النفس والاجتماع وسلوكيات العمل، وهو تخصص دراسي مهم   ، وهنا في كندا يركِّزون على موضوع شديد الاهمية وهو السلوك في العمل work ethics .

 

لم يكتفوا بهذا الامتحان المضني ، بل حددوا لي بعد ان اجتزته بنجاح ، حددوا لي مقابلة شخصية ،وهناك من قال انهم ذهبوا لرؤية سيارتي، وكيف حالتها من الخارج بل ومن الداخل ليتبينوا هل انا مهمل وغير مرتب ؟!، فضلا تقييمهم للشخصية وطريقة الحديث والمظهري العام .

وسألوني في المقابلة هل تشاجرت مع شخص في حياتك؟ هل دخنت الحشيش؟ وهل حكم عليك بالسجن بسبب جريمة او جنحة ؟ طبعا لا وكل هذا ليس لوظيفة مرموقة بل جدا عادية ، بل وتشمل بعض اعمال التنظيف وترتيب الموقع اي باختصار - كولي .

 

بعد ذلك طلبوا مني التالي .

شهادة من الداخلية والشرطة تثبت حسن سيرتي وسلوكي . توصية من قبل شخصين معروفين مع ابراز عناوينهم الحديثة -واشدد على الحديثة - وارقام هواتفهم . ليسالوا عن شخصي، ويجب ان يكونوا على علم بشخصيتي وعايشوني، او ان اكون قد عملت معهم في شركة ،وليسو من اهلي. وكذلك بطرقهم الخاصة تولوا السؤال عني في مكان عملي السابق، وفي موقع سكني عبر الجيران، وكذلك عادوا -بالتاكيد- الى ملفي الامني الشخصي الذي هو لدى الجهات الرسمية ، فهو الفصل في كل شيء بما فيه حالتي الصحية . وهل علي التزامات مالية لم تسدد او حصل ان تسلمت دين ولم اسدده او تعثرت في سداده؟ .حتى ولو كان فاتورة هاتف او مخالفة مرور .

 

هذا الهم كله لوظيفة عادية جدا كما قلت  فما بالكم اذا كانت مرموقة وعامة ؟، ولكن الشركة ، محترمة ورصينة ومشهورة ولا تريد الغث ولا تقبل -عّمال على بطّال-  وللعلم اسم الشركة - لمزدين - وهي - كندية .ولقد عملت لشهور ،وتركت العمل لانني حصلت على عرض عمل  مديرا في مصنع الاسمنت في- أبين- والذي يملكه رجل الاعمال المحسن والزاهد _ الشيخ علي عبد الله العيسائي . حفظه الله .

 

كل هذا قلته لانني اسمع هذه الايام في وطني عن مغامرين يتسابقون للوصول الى منابر الشعب في زحمة الاعتصامات والمهرجانات فهذا يلعلع بخطاباته النارية وهذا يصول ويجول، ولا نعلم عنهم علم اليقين سواء عن سيرتهم او عن مؤهلاتهم وعن وطنيتهم وزهدهم واخلاقهم ، وهولاء بعد حين يتوقون لتصدر المشهد العام وقيادة الأمة ، وهم ربما ليس بتلك الشخصيات الرفيعة الواعية الزاهدة النقية المؤتمنة ،ولكن حسن السوق ولا حسن البضاعة .او كما قال المثل المصري - سوق الحلاة جَبَرْ واتدلعوا الوحشين يا عبده .

 

ستجدون اليوم في مهرجان الحياة والوطن والمعتصمات ، ستجدون الغث والفاسد والمنتهي الصلاحية ، يتواردون بكثرة على سوق المعتصمات والاحتفالات، ولكن اهل العقول الرصينة و القلوب الخّيرة والتٌقاة ،في -عزلتهم- فهم هناك مقصِييّن لوحدهم . لانهم لا يحبون الزحام ولانهم يترفعون عن طلب الزعامة وبريقها ويؤمنون بالحكمة التي تقول- لا تُعطى الزعامة لطالبها .

 

وكم في بلادي من الذين يتصدرون مشهد، مشهد الأمة وهم عبارة عن مرضى نفسيين  او مغامرين او جهلة او وصوليين ، وكما قال لي صاحبي تريد ان تكون في الصدارة ؟فقط خلّيك_ قليل حياء !!. ولقد قلت هذا بعد ان قرات للكثير من الصحفيين الشباب والمثقفين والعقلاء وهم يعبرون عن خيبة آمالهم في ان الامور صارت -هوشلية - وان سوق الوطنيات وتصدر المشهد اليوم صار مفتوحا لمن هب ودب وعلى مصرعيه.

 

عدت اليوم بذاكرتي الى الاتقياء الانقياء الزُهاد أمثال -غاندي- والملك فيصل بن بن عبد العزيزآل سعود ، طيب الله ثراه ، ومستشارة المانيا-ميركل - الفتاة المغمورة التي اتت من شرق المانيا واصبحت في صدارة المشهد الالماني ، ولكنها تحشد معها تواضعها ونبلها وطيبتها بل ولن أنسى الشهيد- سالم ربيع علي - طيب الله ثراه . فقد قال عنه الدكتور -مسدوس- انه لم يعرف في حياته زعيما متواضعا مثله .ولكن المثل الساطع هو رئيس -أرجواي - الحالي الذي يقود سيارتة المتهالكة- ورفض بيعها لثري عربي بـ مليون دولار- ويعيش تحت ظل الناس ومع الناس وبين الناس .

 

تراه -عَطْلاً بين الرعية وهو راعيها- ولقد قيل ان رئيس -أرجواي السيد -جوسية -تواضع يمشي على الأرض. ينتظر دورة ولا يتخطى الطوابير ولا يمشي في الارض مرحا ،واذا خاطبه الجاهلون قال سلاما ، لقد اعتنق التواضع والزُهد ،فراتبه 90% منه خصّصه للفقراء وحياته حياة فقير ، فكل دخله كما يقولون من يده الى فمه . لا يوجد فائض وان وجد فهو للاْحق وهم الفقراء .

هؤلاء هم اولياء الله الصالحين .