مقدمة :
ما نواجهه هو كيف نحافظ على الدولة ؟
رئيس وزراء اليمن الأخير خالد بحاح
جميل أن يبدأ ( الحضرمي ) خالد بحاح مهمته بهذا السؤال العريض ، جميل جداً أن يبدأ بالحديث عن أشلاء الدولة ، وعن اللادولة ، وعن عقود طويلة من العبث السياسي الذي صنع هذا البؤس شمالاً ، ها هو ذا يبدأ بطرح سؤال ينم عن أفق ضائع كما اضاع هو ورفاقه الطريق ..
أي دولة تلك !!
تبدو الدولة اليمنية وقت سلمت أمرها للفوضى الواسعة لا تحتاج إلى مزيد مما يفكر فيه رئيس وزراء جاء من مسارات طويلة عرف فيها فساداً في نفط الجنوب العربي المنهوب وسافر سفيراً ليتعرف على الفساد الدبلوماسي ، وعاد ليصعد إلى كرسي رئاسة الوزراء بعد أن خضعت البلاد والعباد في شمال اليمن لإرادة طرف على كل الأطراف السياسية الأخرى ، بل جاء من الباب الضيق قاطعاً على الحوثيين مهلة الأيام العشر التي كادت أن تنقضي لولا أنه صعد إلى الموقع الذي لا يمثل غير كل التاريخ السياسي اليمني الموصوم باللادولة ,,
عندما ظهرت الجمهورية العربية اليمنية في 26 سبتمبر 1962م كان الفرقاء هم ذات فرقاء اليوم ، وسيكونون ايضاً هم فرقاء الغد وما بعد الغد ، إذن ما لا يمكن للعقل أن يتجاوزه هو هذا اليمن المخلوق في صراعات لا يمكنه أن يخرج من إطار الدولة التي تعيش على نفوذ القبيلة وتسخير المذهب لإخضاع السياسة والاستحواذ على الثروة ، دولة قامت ونشأت على تكوين لم يستطع أن يتماشى أبداً مع تطور البشرية الطبيعي ، بل أنه لم يقوى على الانسجام مع متطلبات التاريخ والتحولات الأممية من حوله ..
اليمن المصلوب على مرجعية سحيقة من التاريخ لا يمكنه أن يتخلص من ميراثه ، هذا الذي لم يستطع أن يدركه المقامرون على طاولة القمار في صنعاء اليوم وبالأمس ، وهنا يمكننا بكثير من التجلي المقارن استدعاء التجربة السياسية للفذ ( الحضرمي ) الوطني فرج بن غانم يرحمه الله تعالى الذي لم يستطع أن يتجاوز بحكومته عام واحد ( 17 مايو 1997م ـ 29 ابريل 1998م ) كانت كفيلة ليقول الرجل بطهارة كفيه : لا يمكن لهذا اليمن أن يفلح ..
صنعاء عاصمة .. للجنون
رئيس دولة لا يحكم عشرة أمتار خارج القصر الرئاسي .. رئيس سابق يمارس الطيش في طول البلاد وعرضها .. شوارع تحكمها فئة جاءت من قرون مضت .. شعب مازال يعتقد أنه بحضاراته السحيقة يعيش متقدماً عن الآخرين .. كل المنطق في صنعاء واليمن غير موجود ، غياب عن العالم من حوله ، هذه هي اليمن البائسة والتي يريد لها المقامرين أن تكون أنموذجاً في أن تكون شيئاً غير الذي فيها ..
مارس المقامرين لعبتهم يوم أن ألقوا بنردهم على طاولة صنعاء فأطلقوا عابثين مؤتمر الحوار الوطني ليمارسوا " لعبة " مجرد " لعبة " مهمتها إلهاء الشعب اليمني لتمضي سنوات من العبث السياسي ، وليخضعوا المنطق إلى اللامنطق ، فكيف توصف حركة الحوثي بالمتمردة وتتمثل في حوار موفنمبيك الهزيل بأعضائها وكيانها ، وكيف يأتي السارق ويصنع لنفسه منفذاً عبر ما أسموه العدالة الانتقالية ، وكيف بالمتخاصمين كلهم أن يأتوا بطرف صنعوه بما يشاءون ثم يقولون أنه ممثل للحراك الجنوبي ؟؟
لم تنتهي اللعبة عند هذا الحد ، بل خرجت بمخرجات تصدرتها الأقاليم ، واليمن الجديد ، والدولة المدنية الحديثة ، كل الهراء خرج ليظهر للعالم من صنعاء ، ومن على طاولة القمار التي مازال يلقي فيها اللاعبين زهر نردهم بينما كان من تحت تلك الطاولة عفاش يتحفز .. وعلي محسن يتوثب .. والحوثي يدشن اليمن الحقيقي بعيد عن كل ما يلعب به اللاعبين على سطح الطاولة ، فدخل خمر وعمران والجوف واسقط صنعاء ودخل الحديدة وضرب القاعدة في البيضاء وإب ، وها هو على أعتاب تعز ينفذ مخرجات الحوار الوطني كما نصت بنودها ..
القرار .. قرارنا
كل هذا وما خفي تطمسه حقيقة شاخصة على امتداد تراب الجنوب العربي من باب المندب إلى المهرة ، عاصف جداً ذلك الكبرياء الشامخ على عدن والمكلا ، عنوان واضح لكل اللاعبين والعابثين والمقامرين ، لا شيء غير الحقيقة التي خرجت منذ عقدين من الزمن الجنوب العربي يريد استعادة حدوده السياسية بل تصحيح التاريخ السياسي في جنوب شبه الجزيرة العربية ، فيكفي للمقامرين ما وصلوا إليه وعليهم أن يتوقفوا حالاً وفوراً فالجنوب العربي ليس مكاناً لهذه اللعبة الكارثية والتي يواصل فيها لعب أدوارهم التي لا تريد غير مزيد من إهدار الوقت ، وإتلاف العقل ، وإبقاء الجنوب العربي محتلاً ..
القضية الجنوبية لم تعد مكاناً للعبث السياسي اليمني ، حتى وأن كانت صنعاء قادرة على استجلاب " الصغار " لتلعب بهم على طاولتها ، حتى وأن كانت صنعاء تمارس الوصاية على "بعض" اللاعبين ، فلقد نجح هذا الحراك الجنوبي بسلميته أن يكون الحقيقة الكبيرة على كل اليمن ، فلا يمكنهم أن يتجاوزوا آلاف الشهداء ، ولا يمكنهم تخطي عشرات الآلاف مفترشين تراب عدن والمكلا ، ولا يمكنهم أيضاً تمييع مطلب الشعب بالاستقلال والتحرير ..
يمكنهم فقط أن يواصلوا اللعبة ، أن يواصلوا صناعة الأوهام ، أن يمارسوا حروبهم ، كل شيء من هذا ممكن ومقبول ، الجنوب العربي لم يعد ينظر إلى صنعاء إلا بعين الرأفة فمصابها كبير وما صنعته خلال سنوات طويلة تحصده ويلات ، وليس أمام الجنوب العربي سوى أن يخرج من كل هذا العبث ليصنع لنفسه طريقاً صحيحاً يبنى بالمسؤولية تجاه ذاته وشعبه ، المسؤولية أن لا يكرر الجنوب العربي خطاياه ، وأن يتمثل بالواقع الملائم لحاجته وقدرته ، الجنوب العربي قادم ولا شك في ذلك وما أمره إلا بشيء من الصبر وبعض من زمن يسير ..