إنسانيتنا المفقودة ..
في زياراتي الى الوطن كنت امر على مدينة صنعاء وامضي بها بعض الايام الممتعة ، ازور خلالها الاهل والاصدقاء وياخذني الحنين الى زيارة صنعاء القديمة التي اعتبرها لوحة تراثية هي الاندر في العالم ، ورغم كل ما يشدك في الوطن تصفعك بعض الامور الصغيرة وتهز كيانك بل وتزلزلك الى اعماق اعماقك .
ساسوق بعضها، لاعبر عن مدى استغراب الاجانب ودهشتهم من قسوتنا على بعض شرائح مجتمعنا الاسلامي المتحاب ! الذي لا يؤمن حتى يحب لاخيه كما يحب لنفسه !في مدينة حافلة بالتناقضات الشديدة كصنعاء تستوقفك لوحات صادمة ! وهي بيوت المهمشين الذين صرنا نرى بؤسهم وهوانهم وعوزهم وانسحاقهم فلا تحرك فينا هذه المشاهد الصادمة ذرة من تعاطف او شفقة او انسانية .
وتعجب اننا ننفق المليارات من الريالات في بناء الجوامع التي نمضي السنوات الطوال في تزويقها وزخرفتها وتعطيش الوانها وفرشها وتزويقها وجعلها تحف معمارية مذهلة، وعلى مقربة من هذه الصروح الايمانية العظيمة المترفة ، احياء الفقراء المهمشين ،ينامون على الخيش ويلتحفون السماء ويتكاثرون ويتناسلون ويمرضون ويموتن دون ان يسال عنهم احد.
تذهب الى وزارة الداخلية في صنعاء ، ارض مسورة بمساحات هائلة يحيطها سور عالي وكانه سور سجن الباستيل! ، وعندما تهم بالدخول عبر بوابتها تجد ان الارض بمعظمها فارغة وليس فيها الا بعض المباني المتفرقة هنا وهناك .
وترى على مقربة من الوزارة تجمع لبيوت من الصفيح ، بيوت تتزاحم حول بعضها ويتكدس فيها البؤوس والهوان والفقر ،والاطفال الذين تلمحهم بتلك الاجساد الضئيلة الخاوية والعيون الزائغة والاساميل المهترئة ،وترى مساكنهم وهي عبارة عن عشش ومن غرفة واحدة تسكنها اسرة كبيرة، تدفع بصغارها الى الاسواق والشوارع لبيع المناديل والماء ،وكذلك طلب العون والحسنات من المارة .
اسال نفسي كم من رجال دين وتجار واثرياء في بلادي يقدمون تبرعاتهم السخية لدعم مشاريع قد يكون في ظاهرها البر، ولكن الهدف المستتر قد يكون وصولها الى جماعات تسخرها للقتل وصنع أجهزة الموت واحزمة الانتحارات! ، بينما انتشال الناس من هوان الفقر والمرض والجوع وهو ماثل وصادع وصادم حولهم ،وعلى مقربة منهم لا يهزهم ولا يتوقفون عنده ولا كأنه يعنيهم ، بل ولا يكلفون انفسهم عناء مناقشة مآسي وهوان من حولهم من اخوتهم المهمشين او والعبور عليها لماما في احاديثهم او في حوراتهم الرسمية او الخاصة تلك الحورات المغلفة بكل بديع اللغة وترفها وزخرفها وخوائها من العطف والتعاطف .
كم مروا من الوزراء ورجال الدولة واثرياء -دهاقنة - يكدسون ويملكون من الاموال ما يعجز عن احصائها جن سليمان ومردته ، كم مروا هولاء الاثرياء على مقربة من هذا الحي -حي الصفيح- الذي يقع بمحاذاة شارع رئيسي فتوقفوا هنيهة ليسالوا سكانه، ويستفسروا عن احوال اهله وينقلون ما شاهدوه او يتحدثون عنه .بل يمرون غير مكترثين بل على وحجووهم ملامح العبوس والازدراء و كانهم مروا بزرائب اغنام واحواش بهائم .
كأن هولاء المهمشين المستضعفين ليسوا اخوتنا وكانهم ليس بيننا ومعنا وهم من يكنس لنا شوارع صنعاء ويتعاملون مع انسدادات المجاري الطافحة ،برواتب لا تكفِ لقيمات ليقمن اصلابهم . تراهم في برد الصباح يتجولون ويجمعون تلك المخلفات وفوارغ العبوات التي تلقى على الطريق من المارة وركاب السيارات الفارهةة يلقونها الى الشارع دون ادنى تقدير واكتراث بل وبكل غرور وبجاحة واستهتار .
في دولة ك كندا حيث اعيش يأتي زائر رسمي اليها من اوربا او من اي دولة في هذه العالم الفسيح ، فيعد له برنامج زيارات مواقع ومن اكثر ما تلاحظه في هذا البرنامج، انسانيته ويتمثل في جولة هذا الزائر الرفيع لدور المسنيين وملاجىء القادمين بطلب الحماية ، ومراكز النساء المعنفات والمسشتفيات الخاصة بطاعني السن، وكذلك زيارته هذه الشخصية الرفيعة لمصنع الاطراف الصناعية الذكية، وقبر الجندي المجهول و مدرسة حديثة للاطفال المعاقين .
هنا تفتخر كندا برقيها وعظمتها وانسانيتها .
وعودة الى موقع سكن المهمشين ،سياتي من يقول ان الارض بها صك شرعي وهي تخص الشيخ او التاجر الفلاني ، وتعود ملكيتها له منذ ايام نوح ، نعم تعود اليه ولديه بها صك شرعي ! ولكن اليس هولاء بشر اليس لهم سماء تظلهم وارض يمشون عليها ويسعون في مناكبها؟ ام انهم مخلوقات -اليَنيّة - هبطت من السماء .
ولن اذكركم بالاحتقارات لهذه الطبقة المهمشة ، ولكن اورد حادثة ، مررت يوما امام -فيلا- تشبه قصور الاباطرة الرومان ، فكان ان رايت عامل البلدية يدق على بوابة القصر، ويتحدث مع طفلة صغيرة يقول لها شكرا لكم على الغداء، وهذه الصحون تركتها لكم بجنب الباب، فياتي صوت من بعيد ينهر الطفلة ويقول قولي له ياخذ الصحون معه ، وسمعت الام تنهر ابنتها وتقول ارميها ،نحن لا ناكل بعد -الاخدام -!!.الم اقل لكم ان ديننا واخلاقنا رياء ، وان الله يكرهنا وسلط علينا المفخخات كما سلط على بني اسرائيل الهوام والجراد والجوائح .
لو كانوا رجال الدين واثرياء الوطن والميسورين عندنا استقطعوا لهولاء المهمشين من تبرعات تذهب بمعظمها الى معامل المفخخات دون علمهم ، لكان الله لطف بعباده ! ولكن،، واردد دائما ان الله عندما يكره أمة لا يستجيب لدعائها وان توسلت وناحت وجثت عند كل محراب .
ستتسع القبور وبيوت الصفيح والحقد في بلادي، لانها بلد قست على فقرائها واطفالها ونسائها. وتنكرت لانسانيتها وحبها والفتها ، انها اخلاقنا التي ضاعت منا في حمأة الثراء وطغيان المال وعصر الواتس آب!!
وإذا اصيب القوم في اخلاقهم ** فأقم عليهم مأتما وعويلا
يبحث عن ما يسد به جوعه في نفايات الأغنياء المتخمين