إن الذي حققه انصار الله وكان ذروته يوم 21 سبتمبر 2014م لكبير ومثير وذلك باخضاعهم العاصمة وسيطرتهم على مقدرات صنعاء خلال ايام ، ولقد كان الحدث مدويا وغير مسبوقا، حيث اصبحوا انصار الله بعد هذا التاريخ الرقم الأصعب، الذي لا يمكن اغفاله في اي معادله.
وعن اي انتصار فهو بقدر ما هو يمثل السؤدد والثقة والقوة للطرف المنتصر، الا انه ايضا مضني وعسير ، فليس الاهم الانتصار بل الاهم البقاء على وتيرة هذا الانتصار، بانتصارات اخرى تتجسد على ارض الواقع. تتمثل في جعل الوطن والمواطن يلمسون تحقيق امانيهم التي ضاعت منهم عبر سنوات يأس عجاف .
وما نتوقعه من انصار الله الكثير ، ومن ذلك ان لا تخدعهم نشوة الانتصارات فيعتقدون انهم وليس غيرهم من لهم حق في تسيير شئون الوطن، وان هناك جهات واحزاب ناصبتهم الخصومات يجب كسرها ودحرها أو واجتثاثها واستئصالها ، وهذا هو الاعتداد والزهو المدمر
فعلى انصار الله ان يجيروا تلك المواجهات والصراعات والنصر بشكل ايجابي- ويسوقوا - في انهم انتصروا على خصم قوي وعنيد فهذا يعطيهم حالة من الثقة بالنفس والزهو الممدوح فمن ينتصر على الكسير الضعيف لا يشعر بقرارة نفسه انه حقق المنجز الكبير والكاسح .
وليعلموا انصار الله ان من ساندهم في حسم المعركة هو جنوح- الاصلاح- الى السلم بعد ان لمس ان الحرب اذا طالت -ستدّول- وستصبح صنعاء حلبة صراع دولي . وسيحترق الوطن من اقصاه الى اقصاه . ولا يجب نكران ذلك او ان تصويره كعذر ، بل الاعتراف به طالما وهو يصب في جانب التسامح وقبول الآخر بل والتعايش .
كما ان الانتصار تحقق للحوثيين شعبيا وجماهيرا لان الناس لمست ان غياب الحرس القديم قد يخفف عن الوطن مآسي وصراعات ومكايدات، فهم اي الحرس القديم يملكون من الخبرات المكدّسة ويسندها اعوان وعتاد ومال ونفوذ بل وخصومات وثأرات ، وهذا جعلهم لا يتنازلون حبيا من اجل الوطن بل- ركبوا رؤوسهم- ومارسوا عداواتهم واحقادهم ، وكان الشعب هو الضحية . ولقد تقبل المواطن البسيط بحالة من الرضى قدوم فريق مظلوم عاش مظالم طوال مقصيا في- صعدة- . فعلل نفسه بانهم سيكونون المنصفين - وكل غريب للغريب حبيبُ .
ونلفت انتباه الحوثيين ان من عوامل الاستقرار وتهيئة مناخ آمن صحي ، هو الحرص على تجنب التنصيف المذهبي ومنع وايقاف الخطاب الاعلامي والديني المتمذهب الذي يدعو الى الكراهيات ويبحث في التاريخ والحوادث الغابرة فلا تبعثوها من مرقدها
وننوه الى أهمية عدم تسييس الوظيفة العامة وجعلها لمن هو اقدر، واختيار نخب عالية الكفاءة لتسيير المركب، فهذا المركب لم يغادر مرافىء الوطن بل ظلت تصفعه الرياح متأرجحا بين الشعاب المرجانية والصخور البحرية .
هناك قضية القضايا . الجنوب وهي قضية تحمل اثقالها وذنوبها و ويلاتها ، وهي محور كل حوار ، وبدون حل منصف وقبول وتراضي واشراك كل الاطراف في ايجاد صيغة حل مستدام فان المرارات سوف تبقى عالقة في الالسن والقلوب، ولابد من حل توافقي منصف ومرضي وشجاع .
والاهم من ذلك الاصرار على اقامة علاقات جوار واثقة وراسخة وشفافة ومطمئنة فلا يشوب علاقاتكم مع دول الجوار اي شائبة تحت اي ظرف من الظروف , وان صلحت وشفيت هذه العلاقة مما اعتراها من اصابات ووهن ، فسوف يحلق طائر الوطن وإلا فسوف يبقى مهيض الجناح يلعق جراحه ويجتر احزانه منبوذا في محيطه القصّي الكئيب .
كما ان الاعلام العدائي الاستعدائي بذاكرة تاريخية متشبثه وذكية او متذاكية ، ذاكرة تستعيد كل مؤلم وكل تفصيل وكل مُنغص ، لعمري لمدمر ومخيف وذميم ، بل كارثة محيقة والاعلام قد ينتشلنا من مستنقعات الخصومات باشاعة التراحم والحب واعتناق المحبة او قد يلقي بنا في مهاوي الردى المخيفة الحالقة .
وعلى ان تفهم المعارضين هو الدهاء والحصافة . فهم ليس اعداء ، وانتم اليوم لستم في وهاد الجبهات بل في موقع المسؤولية وعليكم التعامل مع كل حزب ومكّون وتجمع بروح منصفة ومسؤولة ومقدّرة، واشركوا الاخرين معكم وكما يقول المثل المصري- قفة أم وثنين يشيلوها اثنين - فتعاونوا على حمل ثقل الوطن معا ليخف عليكم الحمل المهيب المضني ويقل اللوم والعتب والنقد والتشفي والشماتات في حالة الفشل او الوهن ، و عليكم بتكريس التسامح وطي صفحات الاحداث المؤلمة حتى وان دارت رحاها و حدثت قبيل ايام وعلموا ذاكرتكم نيسان المآسي، ولا تستجروها فيكفي مع عاناه الوطن من قهر ومواجع وثأر.