تجارة خاسرة ... المتاجرة بالدين

2012-12-25 09:07
تجارة خاسرة ... المتاجرة بالدين
شبوة برس - متابعات

 

 

تجارة خاسرة ... المتاجرة بالدين

شبوة برس - متابعات

انفتحت البلدان العربية والإسلامية على كل المشاريع وصارت مرتعا لكل من يدفع ويمول ، فظاهرة الدكاكين الصفراء صارت ثقافة وتجارة لها مريديها ومموليها ، وللأسف لها كثير من الضحايا السذج الذين يصفقون ويتقبلون هذا المنتج المشوه ، وانتقلت هذه التجارة الجديدة من السياسية إلى الفكر إلى الإعلام إلى الدين ، فالإسلام السياسي يسجل براءة هذا الاختراع باسمه ، وان كان كثير من الجماعات والجمعيات والمشائخ وأنصاف العلماء يجاهدون لنيل براءة اختراع أصلية " ايزو الفتاوى الدينية وصكوك الغفران والجنة والنار " .

زايد الإسلام السياسي باسم الإسلام وقضاياه حين كانت يتوسد مقاعد المعارضة ورفض وكفّر وحرم : " الربا والتعامل مع الأجنبي " ، واقتات على إطلاق الشعارات الفضفاضة والكبيرة " الاقتصاد الإسلامي ، مشروع النهضة الإسلامي ، ارض الإسلام وارض الكفر " ، وحين استقرت قدميه على السلطة اقتضت الظروف وضرورات البنك الدولي واستدرار إرضاء المؤسسات الدولية والأمنية بان يسقط شعاراته وعباراته السابقة ، وقد كان يسميها من قبل " عقائد وأصول الدين " ، فعمد يتخبط في خطاباته وسياساته وسلوكه ، وأنتج مولودا مشوها قاصرا باسم " الإسلام السياسي " يضم خليط من الإسلام والميكافيلية ، ومبادئ السياسة ومقتضيات العصر ، وأطلق عليه مسمى " الإسلام العصري " ، أو كما قال الغرب " الإسلام المعتدل " ، والمقصود : إسلام معتدل منزوع الدسم يعترف بالاتفاقيات مع إسرائيل ، ويجاهد العرب ويريق دماءهم تحت شعار الله اكبر متناسيا فلسطين ومعاداة الغرب ، ويرجي عقيدة " الولاء والبراء " إلى ان تجد المعارضة الاسلاموية نفسها في الشارع ، فتستعيد شعاراتها .

الإشكالية الكبيرة والخطيرة في الوقت ذاته هي إخضاع ثوابت الدين وقيمه وعقائده الثابتة والراسخة لمتغيرات السياسة ولقوة مقتضيات العصر والاتفاقيات الدولية والخضوع لإحكام المؤسسات الدولية ذات الثقافة والنزعة الصهيونية ، فالقادم الجديد للحكم " الإسلام السياسي " إذا قدّم للغرب الإسلام بصورة متساهلة وتتماشى مع الواقع " وتجيز الرباء وتقبل بالاتفاقيات مع إسرائيل وتسقط الجهاد " تحت محاربة الإرهاب ، فهذا ليس قطعا هو الإسلام الحنيف ، وإنما توظيف للإسلام وتكييفه لأغراض سياسية ولمقتضيات السلطة ، وأما إذا قدّمنا الإسلام بصورة متشددة ، فان الغرب لن يرضى عن الإسلام وسيصفه بالراديكالي والمتشدد والمتطرف ، فالإسلام السياسي يسير بالإسلام ويعرض الدين وثوابت الأمة لسوق النخاسة لإرضاء الغرب واستدرار الأموال والقروض من البنك الدولي .

التجارة بالدين صناعة إسرائيلية بامتياز وماركة يهودية مسجلة لقوله تعالي : {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: 95] فالآية الكريمة وأمثالها كثير جدا في القران مسكوت عنها ، وتم القفز عليها على الرغم من سيل الفتاوى والتصريحات وازدهار سوق النخاسة والتكفير والتبديع والتفسيق الرائجة هذه الأيام في صحفنا وقنواتنا وتصريحات سياسيينا الجدد ، فمهما بذلت جهدك لن تجد من يجيبك على سؤال بسيط ومنطقي : ما حكم المتاجرة بالدين ؟ . والمتاجرة بالدين صارت في عصرنا صنعة ومهنة وحرفة لها أسسها وعناصرها ومقتضياتها وللتعريف بهذا التجارة الرابحة إليك الإرشادات الآتية :

= تطويع النصوص ولي أعناقها وإسقاطها لخدمة جماعتك وفرقتك وجمعيتك ، فما كان بالأمس حرام يمكن ان يصير اليوم جائزا وغدا فريضة ، فلا يجوز الاستعانة بالمشركين لقتال المسلمين ، ويصل من فعل هذا إلى حد الكفر ، وبعد برهة من الزمن تتغير الفتوى مئة وثمانين درجة شمالا وجنوبا ليصير قتال الناتو في ليبيا وسوريا ضد المسلمين واجبا شرعيا ، ومن شكك فيه كان ضعيف الإيمان ، التوقيع الشيخ يوسف القرضاوي .

= شن حرب استباقية ضد من يخالفك واتهامه بمعاداة الإسلام والدين ، وبأنه يحارب الأخلاق ويدافع عن الرذيلة ، والباب مفتوح لكل إبداع وشتم وسب لزوم الفتوى ، ولذا قال قائلهم : " من قال : نعم للدستور المصري ، فقد قال : نعم للإسلام " ؟! .

= استعمل طريقة ومنهج الميكيافلية ، الغاية تبرر الوسيلة ، فإذا كانت الغاية هي خدمة الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية ، فيجوز لك الكذب والتعامل مع الغرب وإجازة المنكرات ، وقول الشيء ونقيضه .

= من أهم مظاهر هذه التجارة مجاراة عقيدة الشيعة " التقيه " أي إظهار ما يخالف عقيدتك ودينك ، فلا باس من بعض التصريحات وخاصة إذا كانت في المحافل الدولية تتغنى بإسرائيل وبانها صديقه وحبيبه ، كما أطلقها زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي أمام الايباك المؤيد لإسرائيل في أمريكا بأنه : " لا يهمنا الصراع مع إسرائيل بقدر ما يهمنا إيجاد فرص عمل لمليون عاطل تونسي " ، بينما كان يصرح بان : " الصراع بيننا وبين إسرائيلي صراع ديني وأزلي سيستمر إلى يوم الدين .

= الجمع بين العمل الحزبي العلني والإبقاء على المليشيات العسكرية والعمل السري ، فالمليشيات تستعمل لقمع المعارضة وإرهابها ، كما يجوز إخراجها للشارع لتأييد قرارات الرئيس الإسلامية ، أما العمل السري والتنظيم الهرمي الحديدي يمكن توظيفه لجمع الأموال وعقد الصفقات المشبوهة ، وتمويل الجماعة وفروعها العالمية .

كتبه : فائز سالم بن عمرو

 

* كاتب وباحث من حضرموت

 

[email protected]