جدتي عائشة بنت أحمد بن عمر بارجاء وقد اشتهرت في حارتها بلقب (عيشة حمودة) كان الصبية يفرحون بمقدمها وهي توزع عليهم الحلاوة ،كانت لا تُضيع ساعة من وقتها إلا في مواساة المحتاجين وزيارتهم أو في صلة أرحامها أو تجدها بين دفتي كتاب الله ، أو ساجدة بين يديه ‘فهي تقوم جُل ليلها في عبادة خالقها ،لا تعرف الغيبة ولا النميمة التي يلجأ إليها بعض النسوة ، وليس لديها وقت لتصرفه في ذلك , وكانت الابتسامة لا تفارق محياها الجميل إلى أخر أيام حياتها.
لم تخلِف جدتي أي شيئ من متاع الدنيا ، لعلها كانت الأذكى حين أرسلت كل ما يقع في يدها إلى عالمها الآخر قبل أن تصل هي إليه.
كنت أكتب لها خطاباتها لأرحامها في أندونيسيا وغيرها وأتذكر ديباجتها التي تُمليها عليَّ: (إلى ...بن .... بارجاء حقق الله له الرجاء وجعل له من كل ضيقٍ مخرجا...كانت عند ما يهجع الناس إلى مراقدهم تناجي ربها بصوت شجي عذب منظوم تقول فيه :
حططتُ رحالي بباب الكريم *** وناديتــــه في ظلام الدُجى
إلاهي بفضلك استجب دعوتي ***ويسر من العسر لي مخرجا
بمجرد تذكري لهذه المناجاة يتزايد منسوب إيماني للواحد القهار، أيٍ كانت نسبة تدنيه ، وتأثيرهذه المناجاة أنفع لي اليوم من سماع ألف موعضة من مواعض الدعاه المحترفين الذين تعج بهم القنوات الفضائية التي تجلب إلينا وتحقننا بالفجور والكراهية للآخر والطائفية والمناظر البشعة وتدرسنا ما يفرق بين المرء وخالقه ،و مالا يفقرق بين الماء والدم ،وتعلمنا دينا خالٍ من مكارم الأخلاق ، أساسه النفاق ومداني الأخلاق.
لقد منح الله جل وعلا جدتي بسطة في العمر ،حتى انها فاقت المأة عام ،حتى أن صديق والدي العم (أحمد جابر عفيف) تغمدهما الله بواسع رحمته قد سألني أكثر من مرة عن سر طول عمر جدتي وعن نمط حياتها فأحكي له بعضا مما أوردته وأحياناً أختصره بقولي: في إعتقادي بأنها إمرآة لم تجد الكراهية طريقا إلى قلبها .
تغمد الله جدتي وأهلنا جميعاً بواسع مغفرته ورضوانه .