المصلون السنة الذين يؤمّون المسجد الرئيسي في حي العامرية، الغني نسبياً في غرب بغداد، أبعد ما يكونون عن المتطرفين.
فقد وصفهم عدي موسى، إمام المسجد، بأنهم مجموعة من الأطباء والمعلمين والأعضاء السابقين في جيش صدام حسين وأجهزته الأمنية، وبأنهم من المثقفين.
وأكد مصلون وأفراد آخرون من السنة، أُجريت معهم مقابلات في بغداد، أن لا علاقة لهم بتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي يستلهم
نهج «القاعدة»، والذي ألحق هزيمة بالقوات العراقية الشهر الماضي وأعلن «الخلافة» على مساحة كبيرة من البلاد.
لكن طالما أن المتشددين يستهدفون الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد، فلا شك أن هؤلاء المهنيين المثقفين يتعاطفون مع المتمردين.
ويرى موسى أنها ثورة ضد القمع وأن ساعة الحسم ستحل قريباً.
ويضم خليط العراقيين السنة شيوخ العشائر في الريف والجهاديين الذين يتبنون العنف والمثقفين في الحضر والعلمانيين من حزب «البعث» المحظور.
وهذا الخليط منقسم بشدة، وهي حقيقة يأمل رئيس الوزراء نوري المالكي وأتباعه من زعماء الشيعة استغلالها لحظة وصول الأمور إلى أزمة وطنية.
لكن استيلاء المتشددين على السلطة في المحافظات التي يسيطر عليها السنة لقي دعماً كبيراً من السنة الآخرين.
إنه تحالف لم يكن متوقعاً ولد من رحم خيبة الأمل التي عبّر عنها في بغداد موسى وجيرانه وتلقي بظلال على مستقبل العراق.
وفي عاصمة منقسمة، ترفرف فيها أعلام الشيعة على نقاط تفتيش الجيش، يتحدث أفراد من الجانبين عن ساعة الحسم التي يتوقع أن يهاجم فيها المتشددون السنة من الشمال والغرب الشيعة ويخضعوا بغداد لسيطرتهم.
وقال موظف حكومي يبلغ من العمر 33 عاماً في حي العامرية ذي الغالبية السنية: «نتعاطف كثيراً مع الثوريين.. وفي نفس الوقت نحن خائفون من رد الحكومة». وموظف الحكومة كان بين عشرة من سكان بغداد، بينهم رجال سابقون من الجيش، تحدثوا بحماس مدهش في مقابلات أجريت الأسبوع الماضي قالوا فيها إنهم يفضلون متشددي «داعش» على الحكومة التي يقودها الشيعة والتي همشتهم.
ويُنظر إلى المالكي وحلفائه على نطاق واسع على أنهم مارسوا تمييزاً منهجياً ضد السنة واستهدفوهم بالاعتقالات والتعذيب وتلفيق التهم ضدهم، على مدى العقد الذي وصلت فيه الحكومة الشيعية إلى السلطة بعد الغزو الأميركي للعراق.
ولم يعلن الموظف الحكومي إلا عن كنيته، وهي «أبو مريم»، مخافة البطش به من المليشيات الشيعية المهيمنة على قوات الأمن التي يقول هو وزوجته، إنها تعبث في الحي ليلا وتخطف الشباب وتفتش المنازل بحثاً عن أسلحة.
وبدأت الجثث تظهر يومياً في شوارع بغداد، في مشاهد تذكر بالقتال الطائفي الذي اجتاح البلاد عامي 2006 و2007.
وقالت زوجة «أبو مريم» إنه في الآونة الأخيرة اعتقل رجال المليشيات شابين من مسجد قريب، وذلك بعد الفجر، ولا أحد يعرف ما حدث لهما.
وفي الأيام القليلة الماضية كان من الضحايا رجل متوسط العمر أصيب بالرصاص في رأسه في حي الشباب الشيعي، وشاب أطلقت النار على رأسه في حي الغزالية، وامرأة وابنها أُطلقت عليهما النار في منزلهما بحي «بغداد الجديدة» الذي يغلب عليه الشيعة.
وأوضح بعض السنة الذين أجري معهم حوار أنهم يحتقرون مسلحي «داعش» لكن مشاعرهم تجاه المكاسب التي حققوها على الأرض أكثر تعقيداً.
وقال طبيب جراح سني في اليرموك، اشترط عدم نشر اسمه مخافة البطش به، «إنهم ليسوا مسلمين.. الحل لديهم هو إيذاء وقتل الناس وهذا ليس الإسلام».
لكن الجرّاح يتفق مع المسلحين على أن حكومة المالكي يجب أن تُهزم، وهو يفضل أن يتم هذا بأيدي رجال القبائل السنة الذين يقاتلون بجانب المتطرفين. ومثل السنة الآخرين ورجال الجيش السابقين الذين أجريت معهم مقابلات، قال الجراح إنه عاطل جزئياً وإن غضبه يتصاعد منذ أن غزت القوات الأميركية بلاده عام 2003 للإطاحة بصدام حسين ونظامه.
ويسعى برلمان العراق كي يهدئ الغضب المتصاعد لدى جميع الأطراف.
ويتعرض البرلمان لضغوط كي يشكل حكومة جديدة، يرجح أن يقودها شخص غير المالكي، أملا في أن يساعد ذلك على وقف تقدم المتشددين.
وظهرت بعض العلامات على الخلافات داخل السنة في المناطق التي سيطرت عليها «داعش»، ومنها نشوب قتال متقطع بين مسلحي «داعش» وأتباع حزب «البعث» في محافظة صلاح الدين بوسط العراق.
وذكرت الأمم المتحدة أن 13 رجل دين سنيا أعدموا الشهر الماضي في مدينة الموصل شمال البلاد لرفضهم الولاء لمسلحي «داعش». وأشار أسامة النجيفي، وهو سني كان حتى وقت قريب يشغل منصب رئيس البرلمان العراقي، إلى أن هناك انقسامات أخرى في الموصل أدى إليها خطف مسلحي «داعش» بعض قيادات الجيش العراقي السابق في الموصل.
لكن النجيفي وآخرين يقولون إن الانقسامات الطائفية في العراق أعمق من أن يصلحها مجرد تولي حكومة جديدة مقاليد الأمور.
ويعتقد نبيل يونس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، أنه تتعين إعادة هيكلة الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة وقواتها الأمنية، ليُسمح للمزيد من السنة حتى لأولئك الذين فاض بهم الكيل من المالكي، بالوصول إلى بغداد ومقاتلة المتمردين.
وقال: «عندما يشعر الناس بأن الحكومة قومية ووطنية وتعمل لمصلحة كل العراقيين وليس لقلة من الناس، سيقاتلون لحمايتها».
وقبل سبع سنوات، دعمت القوات الأميركية ما كان يعرف باسم «مجالس الصحوة» حين عملت مع رجال العشائر السنية للتصدي لـ«القاعدة في بلاد الرافدين» التي تعد النواة الأولى لـ«داعش». وبعد أن سلم الجيش الأميركي إدارة البرنامج للحكومة العراقية، تفككت الصحوات.
وألقى منتقدون باللائمة في ذلك على حكومة المالكي، والتي قال النجيفي إنها لا تدفع لأعضاء الصحوات رواتبهم ولا تقدم لهم السلاح «بل على العكس، يعتقلونهم ويتهمونهم بالإرهاب». ويعتقد النجيفي وأفراد آخرون من السنة أن العراق كان من الممكن أن يتفادى الأزمة الحالية، لو أن المالكي سلك مساراً مختلفاً.
وفي نفس الوقت تحبس بغداد أنفاسها قبل المزيد من إراقة الدماء.
وشبّه يونس العاصمة بأنها بركان نائم: «فإذا وقع انفجار سيكون من الصعب إيقافه».
* ابيجيل هاوسلونر - الاتحاد
بغداد