كثيرا ما تردد الجوقة التي تحيط بالرئيس هادئ بأنه رئيسا توافقيا يستمد قوته من المجتمع الدولي ، فالمجتمع الدولي سيف مشهور بيده يقصي من يشاء ويعاقب من يشاء ويتهم من يشاء ، فالصواب ماراه الرئيس هادي وطلائع المجتمع الدولي والفصل السابع . يبدو بان هذه النظرية الفلسفية الجدلية تتربع في عقلية الرئيس وسياساته اليومية .
اثبت التاريخ البعيد والقريب بان الشعوب هي من تهب الشرعية وتسحبها ، فمهما كان المجتمع الدولي يرتص خلفك ويضع بوارجه وإمكانياته تحت أقدامك ، فحين تهب الشعوب الجائعة والمقهورة ستتكسر تلك القرارات الدولية تحت أقدام البسطاء وأحلام المغدورين من الشعوب الثائرة ، وما مصر ورئيسها السابق محمد مرسي عن أنظارنا ببعيد ، حين ظن ذلك المسكين بأنه ظل الله على الأرض ، فلا شرعية أرضية تقهره ما دام سيد البيض الأبيض راض عنه ويناصره .
مثلت أحداث ثورة الجياع في صنعاء انتفاضية شعبية حقيقية ثار فيها المواطن الذي طال صبره على ضياع الأمن وغياب الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والغاز والديزل وكدرت حياته فساد حكومة الوفاق وصراعهم الحزبي والسياسي ، ولم تردعه التصريحات السياسية والإعلامية بان الأمور بخير ، وما على الشعب إلا الصبر والطاعة .
تعامل المطبخ الإعلامي والسياسي بارتباك شديد مع هذه الانتفاضة الشعبية لحد وصل إلى الهستيريا وإتباع التبريرات الإعلامية والسياسية والحزبية الساقطة . الرئيس هادئ ورث مورثا من الفساد وثقافة اللادولة والتحاصص الحزبي والقبلي ، ولكن هذا لا يعطي الرئيس شرعية أبدية مدى الحياة بصوابية أفعاله وسياساته ، كان على الرئيس أن يستفيد من ثورة الجياع ويعتبرها جرسا تحذيريا للسير في سياسة واضحة في محاربة الفساد والسير بالبلاد نحو دولة المؤسسات والتطلع إلى المستقبل وعدم النوح والبكاء على الماضي في كل منعطف تاريخي أو اجتماعي أو سياسي .
مشكلة الرئيس هادي الكبرى بأنه كل يوم يكتسب أعداء جدد وتتجرف شرعية الضعيفة انتخابيا وشعبيا ، وذلك ناتج عن ضعف المطبخ السياسي والإعلامي المحيط بالرئيس والذي أوقعه في مطبات وقرارات كان أول من تراجع هو عنها حينما رأى صداها ووقعها في الشارع ، يتأمل الناس خيرا باستبدال عتبة الرئاسة القديمة بقدوم ابن مبارك في إعادة ترتيب أوليات الرئاسة وتقديم النصح وإحلال العمل المنظم والمؤسسي بدل الفوضى وسياسية الواسطة والمحسوبية .
سيدي الرئيس ليس كل من انتقد مقام الرئاسة من أهل النار ولا كل من مدحها سيدخل الجنة ، فكلما استطاع الرئيس أن يعبر عن الجميع ويستوعب كل أبناء الوطن باختلافه مشاربهم وأهواءهم وأحزابهم وقواهم سيكون الأقدر على إدارة سفينة البلاد المتلاطمة في بحر من الصراعات المركزية والإقليمية والدولية .