"إن هذه الخطة التآمرية على الجنوب العربي رُسمت خيوطها في إحدى البارات وباركها وزير الخارجية جورج براون الذي كان متواجدا وتبادلوا نخب التآمر"
ديفيد ليدجر في "الرمال المتحركة" واصفاً خطة تسليم الجنوب العربي للجبهة القومية ومن ثم تغير اسمه الى جنوب اليمن
***
لم يهنأ شعب الجنوب العربي بالعيش الرغيد منذ تصدّر مشهده السياسي، غداة التاسع والعشرين من نوفمبر 67، رفاق الجبهة القومية باعتبارهم ألغام قابلة للانفجار كلما علت أصوات الحركات الوطنية ذات الجذور المحلية والولاء العربي الأصيل.
هذه الجوقة التي تشظّت فيما بعد، لأسباب شخصية ونوازع سلطوية إلى زمرة وطغمة , ما فتئ الرفاق بعدها يكيدون المكائد ويعملون على تصفية بعضهم البعض، ما يطرح سؤالاً مهماً أمام كل قارئ لتأريخنا السياسي عن مدى تصوّر ومفهوم الدولة لدى الرفاق المتناحرين!.
منذ تلك اللحظة، التي ابتلي فيها الجنوبيون بمن تنصّل وسلّم وطناً لمن يخلّصه من مسؤوليته المدنية والسياسية والأخلاقية، أسّست القيادات "الجبهجية" لسياسة اختلاق أعداء مفترضين لمجرد عدائهم الشخصي ومواقفهم من "برامج" العمل السياسي الناضجة التي تضمنت القطيعة مع الجوار العربي والإقليمي، بالإضافة إلى قتل الرفيق والتنكيل به أحياناً، وكل برنامج مناوئ لهذه البرامج فهو معول هدم وأداة رجعية، ولذا فإن الزعيم الوحيد الذي ظفر ونجا من معارك الرفاق الانتقامية خرج من بوتقتهم بزاد سياسي وحنكة جعلته يسلّم الوطن لقاء حسابات تنطلق من نفس المبادئ والأسس التي راح الجنوبيون ضحية لها على مدى 3 عقود.
الأدهى والأصعب في الحياة السياسية الجنوبية، منذ المؤامرة البريطانية المقصودة وحتى عام 90، هو التأسيس لثقافة العمل السياسي الكيدي، والذي يستسيغ بناء أي تحالف يُبقيه في إطار المشهد السياسي وإن كان ذلك على حساب شركاء الوطن وقواه المخلصة .. وما الانضمام إلى "اللقاء المشترك" وما تلاه إلا دليل على هذه الممارسات الصبيانية البغيضة.
إن الأيسر على كل دعيّ في العمل السياسي أن يرفع الشعارات البراقة، وأن يتمترس بالحشود ويجعلها غطاء لخيباته ومؤامراته، معرضاً عن أي دعوة واقعية لتنظيم الصفوف والاستماع لصوت الحكمة والعقل، ويستغل جموع الجنوبيين التي خرجت، وتخرج، للمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية منذ 2007، ظناً منه أن الشعوب لا تفهم طيشه السياسي وممارساته الصبيانية المكشوفة.
لن أبالغ إذا قلت إن مئات المسيرات التي خرج فيها الجنوبيون كانوا مخلصين ومعبّرين عن مسؤوليتهم الفردية وواجبهم الذاتي تجاه مظالمهم بل ضحوا تضحيات جسام، لكن العبث كل العبث هو الدور الذي تمارسه القيادات الدعيّة، التي جعلت من المظاهرات والمسيرات هدفاً تسجل من خلاله مكاسب ومناصب وتكتلات الكل يعرف حجمها ويدرك حقيقة دورها وتأثيرها ومن يقف وراءها، وإذا أردت التأكد من هذا فانظر إلى فزعهم من الدعوة إلى "المؤتمر الجنوبي الجامع" أو أي دعوة أخرى واعية لتوحيد الصفوف؛ ما يعيدنا إلى طيش الرفاق وممارستهم في عهد بائد يريد الجنوبيون تجاوزه وبناء مستقبل أعقل وأنقى منه مع التسليم ببعض ما شهده ذلك العهد من إيجابيات محدودة طغت عليها سلبيات لا يحصرها العدّ.