قراءة هادئة فيما قبل 21 مايو 2014
مقدمة
" للأسف الشديد، اليمنيون وأصدقاؤهم ركّزوا على العملية السياسية وأغفلوا الجانب الاقتصادي المهم والمعاناة الإنسانية التي هي من صناعة اليمنيين أنفسهم "
وزير خارجية اليمن أبوبكر القربي
من المهم القراءة السياسية بكثير من الموضوعية نظراً لما تقتضيه الحالة الآنية والمرحلة التاريخية من أهمية ، والأهم من هذا وذاك أن ننظر إلى موقعنا بكثير من التجرد ..
العودة إلى البداية ..
يمكننا أن نشبه مليونية المكلا بعصا نبي الله موسى عليه السلام ، فموسى الذي ألقى بعصاه فتلقفت ما صنع سحرة فرعون أمام أعين فرعون والناس أجمعين ، كذلك كانت مليونية المكلا في الذكرى العشرين من إعلان صنعاء حربها على الجنوب العربي ، فعندما حشد الحراك الجنوبي في المكلا أنصاره تلقفت هذه المليونية كل ما صنع سحرة صنعاء على مدار أكثر من عقدين وتحديداً من 22 مايو 1990م ، فالسحرة اليمنيين صنعوا من الوحدة كذبة أولى عندما ادعوا أنهم أهلها ، وكذلك تواصلت أكاذيبهم وتوالت ، ولم تنتهي حتى واليمنيين يجعلون من الحصبة في 2011م ساحة لحرب مفتوحة ..
لقد كان التدخل الدولي عبر المبادرة الخليجية نقطة محورية في تاريخ اليمن الحديث ، فالمبادرة التي حقنت دماء ابناء العمومة المتحاربين كانت هي الممكن السياسي لتجنيب اليمن صراع دموي لا يمكن التنبؤ بمآلاته أبداً ، وعلى ذلك تراضت الأطراف اليمنية بما فرضته المبادرة وبدأت العملية السياسية وفق آلية مزمّنة تحولت لاحقاً إلى مزمِنّة مع دخول المبادرة مرحلتها الأولى التي نقلت فيها السلطة السياسية من علي عبدالله صالح إلى عبدربه منصور هادي والذي تعين عليه التمكن من الشرعية الدستورية عبر انتخابات رئاسية ( صورية ) لتبدأ معها الإشكالية الجوهرية لماهية الصراع السياسي بين أبناء العمومة الذين كانوا من خلال ركوبهم معاً الثورة الشبابية يحاولون الاستئثار بالحكم والسلطة والاستفراد بثروات الجنوب العربي ، هذه الحقيقة الكاملة في المشهد السياسي والتي تكشفت في مراحل أخرى ..
خاض عبدربه منصور هادي الانتخابات في 21 فبراير 2012م ومعها ظهرت القضية الجنوبية كمحور رئيسي يتجاوز سياسياً الحدود اليمنية نظراً لأبعاد هذه القضية وتاريخها السياسي ، وأعلنت النتائج التي حصد فيها الرئيس عبدربه ما نسبته 8% من أصوات الجنوبيين ، وهذا يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن الجنوبيين يرفضون بشكل قاطع التعاطي مع قضيتهم السياسية من خلال المبادرة الخليجية ، ولم تنجح كافة المحاولات اليمنية في إضعاف الخيار الجنوبي سياسياً وشعبياً ، وكان على المبادرة الخليجية ورعاتها أن يتوقفوا في تلك المرحلة للمراجعة والإحاطة بقضية الجنوب إلا أن سحرة صنعاء ضغطوا باتجاه ما التزمت به المبادرة حول وحدة اليمن ، وقبيل الدخول في المرحلة الثالثة من المبادرة واجه رعاتها معضلة مشاركة الطرف الجنوبي في مؤتمر الحوار اليمني ، فقررت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي التقدم بخطوة تجاه القضية الجنوبية فاستضافت الرياض لقاء جمع الطيف السياسي الجنوبي مع الدكتور عبداللطيف الزياني في الثامن عشر من ديسمبر 2012م وخرج ذلك اللقاء بما أطلق عليه وثيقة الرياض والتي جاءت نصاً :
الدكتور الفاضل / عبداللطيف بن راشد الزياني المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
اتيناكم ملبين دعوتكم الكريمة للاستماع ومداولة الرأي والتشاور حول قضية دولة وشعب الجنوب ونخاطب فيكم كل معاني الأخوة في العروبة والإسلام والجيرة التي تربطنا بشعوبكم ربط القلب بالوريد ونأمل ان نخرج من لقائنا المبارك هذا بما يضعنا جميعاً على عتبة الاستقرار والأمان في هذه المنطقة الحيوية من العالم التي نشترك جميعاً في مهمة تأمينها من اجل التنمية والسلام والحياة الحرة الكريمة .
معالي الامين العام
ليس خافياً ان القضية الجنوبية التي نحن بصددها اليوم قضية شعب وهوية ووطن وليست سياسية داخلية أو مطلبية يمكن حلها بطريقة اجرائية في اطار الأزمة اليمنية في صنعاء .ولأنها كذلك فإننا على ثقة بأن اخواننا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيتعاملون معها بإيجابية ،، ولكي لا نستغرق في الخلفية التاريخية فأننا نؤكد على النقاط الاساسية في جانبها العملي، كي نسهم في الوصول إلى الحل الذي يستجيب بإرادة شعبنا الجنوبي العربي التواق إلى التحرير والاستقلال .
أولاً: ان الشعب الجنوبي العربي يقدر تقديرا عالياً مبادرتكم بنزع فتيل الأزمة في صنعاء بين فرقاء النظام السياسي هناك .
ثانيا: أن شعب الجنوب العربي يتطلع من أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي العربي الى مبادرة تخص قضيتهم الجنوبية لخصوصياتها وحساسيتها وتعقيداتها ولخطورة عدم حلها بما يلبي تطلعات شعبنا الجنوبي المعبر عنه في رسالته في احتفالية الثلاثين من نوفمبر 2012.
ثالثاً: أننا ننتهز هذه الفرصة للإشارة إلى أننا على أتم الاستعداد للعمل على إنجاح مؤتمر جنوبي _ جنوبي قادم تساهم دول مجلس التعاون الخليج بالدور الرئيسي في رعايته ، ويعمل على الوصول إلى توافق جنوبي في الرؤى ومنها التأكيد على النظام القادم في الجنوب يقوم على اساس دولة فدرالية تراعى فيه خصوصيات كل المحافظات الجنوبية الست وفقاً للمعايير الدولية .
هذا وتقبلوا منا فائق التقدير والاحترام متمنين التواصل المستمر معكم
مثلت هذه الوثيقة ركناً أصيلاً في تجاوز المرحلة المعقدة ، وهو ما تفهمته الدول الراعية للإقليم عندما وافقت على المؤتمر الجنوبي مع تمسكها بالمبادرة الخليجية وبنودها ، فما كان من سحرة صنعاء إلا أن قاموا باستقطاب عدد من الوجوه الجنوبية تحت عباءة مؤتمر شعب الجنوب وزجت في مؤتمر الحوار اليمني تحت راية الحراك الجنوبي لتنطلق في 18 مارس 2013م جلسات المؤتمر برغم الحشود المليونية الرافضة في عدن وكافة مدن الجنوب ..
كان من أهداف مؤتمر الحوار اليمني امتصاص الحركة الوطنية الجنوبية ، وهو ما لم يتحقق نهائياً برغم الجهد الكبير الذي بذلته صنعاء عبر أحزابها ( المؤتمر والإصلاح والاشتراكي ) وكذلك أذنابها كالعصبة الحضرمية مثلاً ، ونتج عن المؤتمر قرارات حولت اليمن من الدولة البسيطة إلى الدولة المركبة الإتحادية وتم تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم هدفت من خلالها إلى إضعاف مطالب الحراك الجنوبي عبر تقسيمه إلى إقليمين إقليم الثروة وإقليم عدن ، وكان واضحاً وجلياً أن بناء الاقاليم يهدف إلى ضرب القضية الجنوبية ..
معرقلون .. مهرولون
فيما كان دعاة الاقاليم يدخلون صراعاً داخلياً فيما بينهم البين عندما رفضت محافظة المهرة الانضمام إلى اقليم حضرموت أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2140 في منتصف فبراير 2014م وهو الذي يفيد بمعاقبة المعرقلين للمبادرة الخليجية وآليتها المزمنة ، كان على اليمنيين مواصلة تضليلهم للمجتمع الدولي عبر ما اعتادوا ممارسته في عصور طويلة ، فكان عليهم إقناع العالم بأن الجنوبيين استجابوا للاقاليم ، وأن الجنة الموعودة في حضرموت أهلها في الفردوس الأعلى ، غير أن الاضطراب السياسي الأكثر حدة جاء في أعقاب مؤتمر جنيف2 وما تبع ذلك المؤتمر من حالة اللاستقرار السياسي في دول الاقليم والتوتر السياسي البالغ بين السعودية وإيران تحديداً ، تبع ذلك تسريبات صحفية مغلوطة توافقت مع زيارة اوروبية للسيد البيض رافق ذلك أيضاً انقطاع بث قناة عدن لايف ، مما أوحى بأن الحراك الجنوبي يعيش أنفاسه الأخيرة ..
الضغط الهائل الذي أدخلت فيه القضية الجنوبية كان عليها أن تتجاوزه بالكيفية التي تحصد معها نجاحات وإلا فأن الحركة على رقعة الشطرنج كافية تماماً لقتل الحراك الجنوبي وقضيته ، فتم اختيار المكلا لإحياء الذكرى العشرين لإعلان الحرب على الجنوب ، وتدخل الحزب الاشتراكي ليلعب في هذا التوقيت دوره اللازم فحاول شق الجنوب إلى فعاليتين واحدة في العاصمة عدن وأخرى في المكلا ، وكان على الشعب الجنوبي أن يقرر الخطوة الصحيحة فكانت المكلا حاضنة للمليونية مع فعالية لمن استطاع إلى المعلا سبيلا ..
نجحت مليونية المكلا في حشد مئات الالاف من أبناء حضرموت والجنوب ، والنجاح لم يتوقف عند هذا الحد بل أن عناوين وكالات الأنباء والصحافة العربية والعالمية لم تستطع غير تأكيد أن في الجنوب العربي قضية حية لم تضعف بعد وأن على العالم التعاطي معها ، وكان هذا العالم يتحرك في إتجاه موازي لحجم الحالة اليمنية الذي كان في 29 ابريل 2014م على موعد مع مؤتمر أصدقاء اليمن والذي طلبت الرياض عبر وزارة خارجيتها في السابع من ابريل نقله إلى العاصمة البريطانية لندن في رسالة واضحة تماماً بأن هناك شيء ما بين صنعاء والرياض يتمثل في جزئيتين رئيستين هما موقف النظام اليمني من الحكومة القطرية وانكشاف التضليل الهائل حول القضية الجنوبية إضافة إلى الفساد المالي في استخدام أموال مؤتمر الأصدقاء والذي تمثل السعودية الداعم الأكبر فيه ..
لم يحصل اليمن في مؤتمر لندن على المال ، وتحول المؤتمر لمناقشة سياسية لم تغب عنها صورة الحشود المليونية في المكلا ، وهذا ما جعل من تصريحات وزير الخارجية اليمني أبوبكر القربي أكثر حدة من أي وقت مضى بل أنه تجاوز حدود الدبلوماسية في إرهاص يؤكد أن فشل زيارة المبعوث الأممي جمال بن عمر للرياض تدخل في إطار أن الحالة اليمنية لن تستمر بهذه الطريقة التي يحاول اليمنيين اللعب بها كما اعتادوا ..
الجنوب .. القادم
الحصافة السياسية هي التي يجب أن تستحضر الآن ، فلا يمكن بحال من الأحوال تجاوز الهدف السياسي باستقلال الجنوب العربي ، وما يجب سياسياً أولاً ثم إعلامياً هو استثمار نجاحات الشعب في 27 ابريل 2014م واتخاذ خطوات حقيقية في دعم مؤتمر الجنوب الجامع للخروج بقيادة سياسية يمكنها التعاطي مع الواقع الذي فشلت فيه كل محاولات القيادة السابقة لأسباب لا يجب أن نتوقف عندها بمقدار ما نحتاج إلى التوقف مع معطيات الواقع السياسي وتدعيم ما يملكه الجنوب العربي من مقومات وإمكانيات يجب أن تسخر جميعها في خدمة مشروع الاستقلال والتحرير ..
الوصول إلى مليونية جديدة في 21 مايو ليس هدفاً ، وليس شكلاً نضالياً بالغاً في الأهمية ، فنحن أمام تبعات شديدة وقوية جداً لنظام صنعاء الذي خرجت قوات الجيش فيه لتعلن عن ملاحقة لعناصر القاعدة في الجنوب بينما أن الحقيقة الدامغة تقول أن هذا الجيش خسر وانهزم امام قوات الحوثي التي تمددت حتى وصلت تخوم العاصمة صنعاء ، وزاد علي البخيتي على ذلك قائلاً " الحوثي داخل صنعاء وأن شاء إسقاطها لفعل " ، هذا الجيش المندحر من الشمال يعمل في الجنوب على تسليم عناصر القاعدة للسلاح والعتاد من أجل إقامة الإمارات الإسلامية بعد أن سقطت الأقاليم اليمنية ..
المضمون واضح وعميق ، والمرحلة التي تخوض فيها القضية الجنوبية هي آخر المراحل قبل إنجاز الموعود السياسي ، فما خاضه الجنوبيين على مدى نصف قرن هو الآن على مفصل من الحركة التاريخية كلها ، وهذا ما على النخبة الجنوبية أن تعيه ، وما عليها أن تلتزم بضوابطه فالحركة الوطنية أمامها الاستقلال وخلفها مؤامرات تحترق وتنتهي لتصبح رماداً بعد أن أشعلت صنعاء سعير نارها ..