رجالات حضرموت السيد احمد العطاس وزير الدولة والنائب بدر الكسادي واللواء بن سميدع في مباحثات مع الملك فيصل ـ رحم الله الجميع
الرياض دورها وحاجتها .. عبدالعزيز, طويلا بين الرجال (7)
مقدمة
عندما سُئلَ محمد أسد - (ليوبولد فايس قبل إسلامه) - عن رأيه في الملك عبدالعزيزاختصر رأيه في : (كان طويلاً بين الرجال) وأشار بيده إلى الأعلى !
شبة الجزيرة العربية في القرن العشرين كانت على موعد مع ذلك الملك ، مع تلك الشخصية التي صنعت من الأرض القاحلة قدراً من الاعجاز .. عبدالعزيز كان متفوقاً في كل شيء لأنه كان فارقاً عن كل شيء ..
عبدالعزيز .. أميراً ثم سلطاناً ثم ملكاً
لم يكن فتح الرياض في العام 1902م سوى بداية لصفحة تاريخية لا يمكن أن تطوى برغم مرور ما يزيد عن قرن من الزمن ، فالجزيرة العربية التي كانت منزوعة من الحياة كان على الأمير عبدالعزيز الآتي من الكويت أن يصنع فيها مشروعاً يتجاوز تلك اللحظة ، ومشروعاً يتواكب مع طبيعة المجتمع ، هذا المشروع الذي كان حلماً وكان محالاً تجاوزه عبدالعزيز برؤية لا جدال أنها تتجاوز الحالة التي كانت تحيط به كشخص وكبيئة أيضاً ..
توحيد شبة الجزيرة العربية كان مشروعاً بدأ بالرياض وأعلن في 1932م مسيرة ثلاثين عاماً من الجهاد تضمنت في مضمونها الجوهري أن الدولة السعودية ليست نطاقاً مشمولاً بالمساحة الجغرافية بل هي انسجام يجمع بين خصال المجتمع العربي بقبائله وإسلامه مع نشوء سياسي يتخلق بعد الحرب العالمية الأولى وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية ، قد يكون التوقيت الزمني يحتوي بحد ذاته صعوبة في التشكيل الفكري في ذلك الزمن لكن هي العبقرية التي تتملكها شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ..
في الفكر السياسي تبدو تركيب الدولة هي المرحلة الأكثر صعوبة والأكثر تحدياً أمام رجالات الدولة ، فليس من المهم أن تمتلك قدرة عسكرية وقبضة قوية بل المهم هو أن تصنع دولة وفقاً لنسيج البيئة الاجتماعية تنجح في قرن كامل في إثبات أن الدولة هي انسجام طبيعي بين الشعب ومؤسسات الحكم ، وهذا ما أنجزه الملك عبدالعزيز عندما نجح فيما فشل فيه كثير لذلك فأن المدخل للدولة هي أن ينسجم الشعب مع الحاكم ..
نجاح الدولة السعودية في تكوينها كان فارقاً تاريخياً في الشرق الأوسط ، فتشكل هذه الدولة هو حتى اللحظة مثال سياسي جدير دائماً بالقراءة والاستلهام ، فالانتقال من التشرذم إلى مجتمع متعاضد تحت لواء واحد هو المسألة التي كونت المملكة العربية السعودية ووضعت هذه الدولة بما تحتضنه من عمق ديني وعربي كعراب يتجاوز دوره السياسي أولاً ثم أدواره الأخرى حدوده السياسية بمقدار الثقل الفكري للسياسي الذي نجح في توحيد الجزيرة العربية ووضعها في موضعها الصحيح بين الأمم والدول ..
الدولة الحلم ..
كان لتوحيد المملكة العربية السعودية شكلاً موضوعياً لما يجب أن تكون عليه شبة الجزيرة العربية ، وعلى ذلك خرجت بريطانيا من الخليج العربي وقد تركت لدولها أن تتشكل في دول تنسجم وطبيعة المنطقة جغرافياً ، ولم تكن المملكة المتوكلية اليمنية وسلطنات ومشيخات الجنوب العربي سوى امتداد طبيعي لهذا المكون السياسي العريض والاستثناء الوحيد كان في مدينة عدن المستعمرة البريطانية على مدى يتجاوز القرن من الزمان ..
بطبيعة الدول كانت المملكة العربية السعودية قادرة على التمدد والاتساع خاصة وأن تخوم حدودها الجنوبية كانت سلطنات ومشيخات تفتقر لكثير من القدرة على التعاطي مع موجبات المرحلة التاريخية ، ويبدو أن الحرب التي اشتعلت بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية كانت محطة تحتاج ( اليوم ) لكثير من التدبر في التعاطي معها ، فالحرب التي انتهت بمعاهدة الطائف 1934م تكشف النقاب عن رؤية صحيحة تنسجم وما تتطلبه المنطقة من المفهوم الجيوسياسي ، فالبلدين أسسا معاً لهذا التناغم الموضوعي ..
كذلك كانت هنالك اتفاقيات ابرمت مع السلطنات الحضرمية الكثيرية والقعيطية وأن لم ترتقي لمعاهدة الطائف التاريخية ، لذا كان من المهم أن يتم النظر للحالة العامة فيما بعد الحرب العالمية الثانية والتي أفرزت للعالم معسكرين شرقي وغربي كلاهما متنافران عن بعضهما ، وفي واقع آخر يحمل مداً قومياً متصاعداً أسقط حكم الملك فاروق في مصر ثم سقوط الملك السنوسي في ليبيا والامام محمد البدر في اليمن ، وإن كان لسقوط إمام اليمن توصيف آخر يوجب قراءته من زاويته الصحيحة حيث أنه كان انقلاباً داخل البيت الزيدي واستبدل الإمام الحاكم إلى ضابط جمهوري لتضل اليمن في موارحة بين الملكيين والجمهوريين ، ولم تنجح محاولات الإمام البدر في استعادة حكم اليمن التي نجحت من خلال العناصر المخابراتية المصرية واليمنية في احباط الحلم ..
ما الدولة الحلم إذن ..؟؟
سلطنات ومشيخات الجنوب العربي كانت على موعد مع التناغم الطبيعي لدول شبة الجزيرة العربية ، فلقد وصل إلى المكلا المناضل شيخان الحبشي ليضع هذه المنطقة فيما يجب أن تكون ، استنساخاً لدولة ماليزيا التي تشكلت من سلطنات متعددة في إطار دولة اتحادية مركبة ، وكان على شيخان الحبشي أن ينتزع من بريطانيا حق الاستقلال السياسي وهو ما تحقق من خلال لجنة تصفية الاستعمار التي منحت حق الاستقلال للجنوب العربي في التاسع من يناير 1968م ..
كانت الرياض على مقربة من ما يدور في الجنوب العربي ، وكان شيخان ومن معه من المناضلين السياسيين قد نجحوا في إلزام بريطانيا العظمى بدفع التعويضات عن احتلال عدن لـ 129 عاماً وهو ما يؤمن تأسيس دولة قادرة من خلال التعويضات على بناء المؤسسات الاقتصادية والانطلاق مباشرة في النهضة التعليمية وغيرها من موجبات الدولة ، وكانت الجبهة القومية التي تجد رعاية من المخابرات المصرية وغيرها تعمل على الوصول إلى السلطة فوجدت بريطانيا منفذاً يخلصها مما التزمت به في لجنة تصفية الاستعمار وبصفقة سياسية منحت بريطانيا للجبهة القومية الاستقلال وأعلنت "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية" في 30 نوفمبر 1967م ..
الدولة الحُلم .. انتهت برغم أن السعودية دعمت جيش الانقاذ واحتوت رابطة الجنوب العربي إلا أن ما أخفقت فيه الرياض في اليمن الشمال تكرر في الجنوب العربي ولم تنجح محاولات اللحظة الأخيرة على إنقاذ صنعاء وعدن مما وقعتا فيه ، ويجوز لنا بعد أكثر من نصف قرن ، وبعد أن تقدمت الأفكار والرؤى أن نتأمل ماذا إن كانت الرياض هي منّ رعت مفاوضات الجنوب العربي ودعمت تنفيذ التعهد البريطاني بالجلاء وتسليم السلطة لرابطة الجنوب العربي ؟؟ ، هل تأخرت الرياض عن دورها أم أن المؤامرة الناصرية المصرية كانت أقوى خاصة وأنها أسقطت صنعاء ثم اسقطت مدينة عدن ومعه المحميات الشرقية والغربية ؟؟ .
الدور السعودي الذي حاول احتواء اليمن على مدى سنوات طويلة ها هو يعود من الباب الكبير مرة أخرى من خلال المبادرة الخليجية لحقن الدم اليمني في 2011م هو ذات الدور الرائد تاريخياً والذي يقوم على مكانة هذه الدولة الكبيرة وهي التي تعي تماماً أن الجنوب العربي هو الطريق المصيب لاستقرار شبة الجزيرة العربية كلها ، وهذا ما يؤكده الكاتب السعودي محمد آل الشيخ (أنا رأيي تترك الحية وشجرتها، ونركز على الحراك الجنوبي . أهل الشمال دعمناهم 40 سنة ولا شفنا منهم إلا النكران والمؤامرات ) ..
القعيطي .. متحدثاً ..
الرابع والعشرين من ديسمبر 2013م وجه السلطان غالب بن عوض القعيطي رسالة مهمة لشعب الجنوب ، احتملت رسالة السلطان القعيطي مضامين جداً مهمة في مفهوم ما يدار خلف كواليس السياسة ، بل أن الرسالة في محتواها تقول بأن عواصم الخليج العربي وضعت خيارين لا ثالث لهما لمستقبل الاقليم الجنوبي في شبة الجزيرة العربية ، بنمطية حكم سياسي يتناغم مع دول الخليج العربي أو حكم سياسي ديمقراطي كما هو في اليمن المجاور ، وهذا ما جاء نصه في الخطاب السلطاني نصاً : " تبني نظام حكم مماثل لدول مجلس التعاون بالعودة إلى تقاليدكم وأعرافكم المفيدة التليدة في أمل الانضمام في أسرع وقت ممكن إلى أسرتها بالشكل المرغوب والاستفادة من خيراتها في ’’عصر العولمة‘‘ هذا ، مثل بقية الأعضاء ، متشجعين في هذه الناحية بتاريخ عضوية وشروط الانتماء إلى هذا الكيان ، وبمستجدات الأوضاع والتطورات الأخيرة في الساحة الأقيليمة ، ومن أهمها دعوة مملكتي الغرب والأردن بالانضمام إليه مع رفض مطالب غيرهما في هذا الاتجاه ، ثم الدعوة المناشدة للوحدة وتحقيق المزيد من التكامل النظامي والإداري والتخطيطي بين الدول الأعضاء من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله ، والتي تمتع حالياً بتأييد خمسة من الأعضاء الستة.
- أو نظاماً بديلاً أسوة بالذي يعم اليمن الميمون مع ديمقراطيته وأحزابه بصرف النظر أن المجتمع المعني قبلي في الغالب ومتحزب طبيعياً أو دولتنا الشمولية ’’الديمقراطية‘‘ السابقة؟ "
قد يصاب البعض بقدر كبير من الصدمة والاندهاش من هكذا حالة في التحول الذهني بين ما وقع من أكذوبة أطلق عليها نظام حكم ديمقراطي إلى نظام حكم يبشر به السلطان غالب القعيطي بل هو يعطي مؤشرات بأنه هو ( وكذلك آخرين ) أمام هذه الخيارات المحددة معالمها والجلية مضامينها ، ولنعد إلى حقيقة أزمة الجنوب التاريخية التي نشأت مع الثلاثين من نوفمبر 1967م عندما قامت دولة جمهورية اختارت اليسار ودخلت في إطار لا يتلاءم مع نطاقها الجيوسياسي ، فدفعت بنا وبالمنطقة إلى أزمة لم تنتهي إلا بأزمة أخرى عندما أدخل الجنوب كأكبر مساحة جغرافية سياسية في شبه الجزيرة العربية بعد المملكة العربية السعودية في الوحدة اليمنية عام 1990م ..
إطلاقاً ليس من الخطأ النظر إلى واقعنا بهذا المنظور السياسي الصعب ، بل الخطأ هو عدم النظر والإصرار على المضي نحو البحث للوصول إلى إطار سياسي لا يفي طبيعتنا وحجمنا وخصالنا الاجتماعية والمذهبية والاقتصادية ، وقد يكون من الصعوبة التحول في نمطية الحكم السياسي أو حتى بناء نظام حكم يتوافق تماماً مع الإقليم في شبه الجزيرة العربية لكن من المهم أيضاً أن نقرر بأنفسنا الخروج من واقع الاحتلال اليمني ونصنع شكلاً نمطياً جديداً يخرجنا من أزمة نصف قرن بمعالجة كبرى تستطيع استعادة كل التاريخ المأزوم ، هذه القدرة يجب أن تبدأ من الإفراز السياسي المعاصر والذي يجب أن يتخلص أولاً من كل الانتماءات لما يسمى القيادات التاريخية التي صنعت المأساة .. الكارثة .. الطامة .. الجريمة ..
ما تمثله القيادة السعودية في هذا التوقيت من التاريخ هو الكتلة السياسية والتاريخية الأكبر والقادرة على إخراج المنطقة من التوترات والأزمات إذا ما استطاعت أن تنجح في تحقيق الأمن الاقليمي على مختلف الأصعدة لن ينطلق إلا من استقرار سياسي وتحقيق العمق الآمن للجزيرة العربية عبر وحدة كونفدرالية تكون الضامن لاستقرار شعوب شبة الجزيرة العربية جميعاً ..
* بقلم الكاتب المهجري : سالم عمر مسهور