مقدمة
من الضرورة بمكان التدخل بأيّ صيغة واحتواء هذه الأزمة المتفاقمة هناك، وتحقيق ما يصبو له الجنوبيون، طالما أن بقاء الوحدة أصبح الآن ضرباً من ضروب المستحيلات كما تقول المؤشرات وتطورات الأوضاع في اليمنين الشمالي والجنوبي / الأستاذ محمد آل الشيخ
في مقالته المعنونة بـ ( اليمن : الانفصال هو الحل ) والمنشورة في صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ 23 فبراير 2014م كتب وصدق وأنصف الأستاذ محمد آل الشيخ بموجب ما يستحق عليه الشكر والثناء بقدر ما كتب وصدق وأنصف ..
المخوة ( الأخوة )
في التكوين السياسي والجغرافي وحتى التاريخي لا يمكن لساكن في شبة الجزيرة العربية أن يقرأ ما يجري في المساحة الجنوبية لهذه الكتلة الجغرافية الضخمة المسماة ( شبة جزيرة العرب ) ، وإذا كانت المملكة العربية السعودية التي غيرت خارطة المنطقة سياسياً منذ مطلع القرن العشرين المنصرم وتحديداً منذ دخول الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه إلى الرياض في العام 1902م وحتى إعلان قيام الدولة الثالثة في العام 1932م لتدخل هذه المنطقة من العالم مرحلة سياسية غير مسبوقة في تاريخها من ناحية الأمن والاستقرار السياسي بشكل محدد تماماً ، وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد شكلت نواة الشكل السياسي في المنطقة متوافقة مع كثير من الطبيعة القائمة آنذاك إلا أن هذه المنطقة شهدت تحولاً تاريخياً في 26 سبتمبر 1962م عندما سقطت المملكة المتوكلية اليمنية ولجأ معها محمد البدر إلى السعودية فاراً من الانقلاب الذي حدث في اليمن مؤطراً بمسمى ( ثورة الضباط الأحرار ) ..
كان للمد القومي الشائع دور كبير في تلك المرحلة التاريخية ، فلقد كان الجنوب العربي يخضع لحكم السلطنات والمشيخات على غرار ما هو قائم على ضفة الخليج العربي "الإمارات العربية المتحدة" ، وكان عدد هذه السلطنات ثلاثة وعشرين سلطنة ومشيخة تخضع للانتداب البريطاني ، حيث كانت مشمولة بمعاهدات واتفاقيات مع بريطانيا العظمى ، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وإنكفاء بريطانيا العظمى وغياب شمس إمبراطوريتها كانت مستعمرة عدن واحدة من أهم ما تمتلكه بريطانيا العظمى التي تواجدت فيها على مدار 129 عاماً وخاضت مع سكانها رفضاً لوجودها من خلال الحركة الوطنية التي قادتها ( رابطة الجنوب العربي ) والتي تأسست في عدن عام 1951م وهدفها انتزاع الاستقلال للجنوب العربي في إطار مشروع سياسي يتماها ويتناغم تماماً مع الطبيعة السياسية لشبة الجزيرة العربية ، فكان هدف رابطة الجنوب العربي إقامة كيان سياسي يجمع السلطنات والمشيخات في إطار دولة اتحادية ويحتفظ كلّ بمنطقته التي يحكمها ..
وقد اضطرت الحكومة البريطانية لنقل المفاوضات المباشرة مع ( رابطة الجنوب العربي ) للخارج في لجنة تصفية الاستعمار بعد أن القى المحامي الحضرمي شيخان الحبشي يرحمه الله كلمة الجنوب العربي في هيئة الأمم المتحدة عام 1963م وبموجب المفاوضات المباشرة وافقت بريطانيا على منح الاستقلال لمستعمرة عدن والمحميات الغربية والشرقية في التاسع من يناير 1969م ، إلا أن المخابرات اليمنية والمصرية لعبت دوراً خطيراً من 14 اكتوبر 1963م عبر افتعال ثورة غير مبررة آنذاك ، ووجدت بريطانيا العظمى فرصة للتخلي عن التزامها تجاه رابطة الجنوب العربي بدفع التعويضات للمستعمرة عدن عن 129 عام من الاستعمار باتفاق مع الجبهة القومية والتي حصلت بموجب ذلك على الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م..
أعلن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وتوجه نظام الحكم السياسي في عدن إلى المعسكر الشرقي في توجه لا يتلائم مع طبيعة المنطقة سياسياً ودينياً واجتماعياً ما أدى إلى نزوح هائل من سكان حضرموت ومناطق الجنوب العربي ناحية الجارة السعودية ، وعلى ذلك جاء القرار الملكي من الفيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله بفتح مكاتب مخصصة لرابطة الجنوب العربي ومنح المهاجرين والمهجرين قسراً إقامة باستثناءات محددة للإقامة والعمل في المملكة العربية السعودية ، وهو ما شكل لاحقاً تواجد عريض للحضارمة في البلاد السعودية أثروا وتأثروا بالتقدم الاقتصادي والتنموي والتعليمي في السعودية ..
الرياض .. عدن
لم تكن علاقات عدن السياسية مع الرياض لتوصف بالجيدة ، فوقعت حرب الوديعة ، وتكونت بين عدن والرياض كثير من الأزمات السياسية لطبيعة المنهج الغير متوافق بينهما ، كما أن اليمن الشمالي والجنوبي خاضا على مدار فترة السبعينيات الميلادية توترات بلغت حد الحروب العسكرية بينهما ومع مرحلة الثمانينيات الميلادية وفي إطار صراع أجنحة الحكم في اليمن الجنوبي وقعت أحداث يناير 1986م التي أدت لضعف الدولة اليمنية الجنوبية بعد أن كانت دولة تمتلك قوة اقتصادية ونظاماً حاكماً قادراً على إدارة البلاد بعكس ما كان يجري في الشمال من صراعات قبلية وسياسية ومذهبية أيضاً في صراع بين الشوافع والزيدية ..
في العام 1990م قرر حكام اليمن الجنوبية المضي في مشروع الوحدة اليمنية ووقعت الوحدة بين الشمال والجنوب في مدينة عدن بتاريخ 22 مايو 1990م ووافق الأمين العام للحزب الاشتراكي ممثل الطرف الجنوبي علي سالم البيض بمنصب نائب الرئيس للجمهورية اليمنية ، إلا أن دوافع الشمال لم تكن متجردة ناحية الدولة الحديثة ، ودولة النظام والقانون التي كانت سائدة في الجنوب فشهد اليمن اغتيالات سياسية استهدفت كوادر الحزب الاشتراكي أدت إلى أزمة سياسية انتهت لتوقيع الطرفين على معاهدة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمّان برعاية الملك الراحل الحسين بن طلال يرحمه الله ..
ولم تصمد تلك المعاهدة حيث شن ا لشمال حرباً على الجنوب استخدمت فيها كل الأسلحة الثقيلة ، كما أصدرت خلالها فتاوى تكفيرية من جانب الاخوان المسلمين كفرت شعب الجنوب آنذاك مما اعتبرها العسكر الشماليين حرباً مقدسة ، وتوالت آنذاك بيانات الرفض لهذه الفتاوى وكان أهم تلك البيانات ما أصدره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، وانتهت الحرب بدخول القوات الشمالية إلى العاصمة عدن وبقية مدن الجنوب العربي ، ودخل الجنوب في مرحلة سياسية جديدة شهدت استحواذاً على موارد الجنوب ، وتهميشه سياسياً عبر اعتباره مهزوماً في الحرب ..
كان الموقف السياسي السعودي خاصة والخليجي عموماً داعماً لحق الشعب الجنوبي من خلال ما أصدرته الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في اجتماعه بمدينة أبها في دورته الحادية والخمسين حيث جاءت بالنص التالي " وتابع المجلس الوزاري بقلق بالغ التطورات المؤلمة في اليمن، وما ترتب على استمرار القتال بين الطرفين مما جعل القادة في جنوب اليمن يعلنون قيام جمهورية اليمن الديمقراطية، وفي هذا السياق رحب المجلس بصدور قرار مجلس الامن رقم 924، واعرب عن بالغ اسفه لاستمرار الاقتتال رغم صدور هذا القرار.
و أنه اذا كان مجلس الامن قد اكد في قراره 924 حرص المجتمع الدولي على صون السلم والاستقرار في اليمن، فان هذا الحرص يتضاعف اكثر في اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولذلك فان المجلس يدعو القادة اليمنيين وضع مصلحة اليمن وشعبها فوق كل الاعتبارات والاستجابة فورا لمقتضيات قرار مجلس الامن وذلك بوقف العمليات العسكرية فورا واللجوء الى الحوار حقنا للدماء وحفاظا على الارواح والممتلكات " .
الحراك والبيض وايران
نتيجة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي خضع له الجنوب شهد الجنوب حالة رفض أدت إلى نشوء الحراك في العام 2007م ، وهو حركة وطنية تطورت من مطالب حقوقية لم تستجب لها سلطة الحكم في صنعاء إلى مطلب سياسي واضح يرمي إلى فك الارتباط عن الشمال وتقدم إلى أن بلغ إلى التحرير والاستقلال ، وخلال السنتين الأولى للحراك الجنوبي كان الحراك مكوناً تكويناً شعبياً وملتزماً ومازال بالخيار السلمي لتحقيق أهدافه ، وفي 21 مايو 2009م ظهر السيد علي سالم البيض من النمسا معلناً عودته السياسية ومواكبته لمطالب الشعب الجنوبي ، ولم تحتمل الصفة للسيد البيض غير المسوغ الشرعي الذي بموجبه كان شريكاً في دولة الوحدة وهو الذي أعلن عن فك الارتباط في العام 1994م وعليه فأن الاعتبار للسيد البيض هو اعتبار شرعي لا غير ..
وشكل انتقال السيد البيض إلى العاصمة اللبنانية بيروت واحدة من أكثر التشكيلات المعقدة في استفهام الدور والشكل السياسي للحراك الجنوبي ، وقد حاول نظام الحكم في الشمال على مدار سنوات أن يثبت علاقة الحراك مع إيران ولم يستطع بالرغم من الدور الاستخباراتي والإعلامي الذي يمتلكه من إيجاد علاقة بين الحراك والمشروع الإيراني في المنطقة ..
وكان من الطبيعي أن يلتزم الحراك الجنوبي بكل ثوابته تجاه الإقليم تحديداً ، فكان لقاء القيادات الجنوبية بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في الرياض بتاريخ 18 ديسمبر 2012م منطلقاً يفك كل التعقيدات عندما قدمت الأطياف الجنوبية المختلفة ما يطلق عليه ( وثيقة الرياض ) التي أثنت على المبادرة الخليجية التي حقنت دماء الأخوة في الشمال وطالبوا في الوقت ذاته بمبادرة تخص القضية الجنوبية ، بل وأكدوا في وثيقة الرياض شكل دولتهم الجنوبية وإطارها السياسي بما ينسجم وطبيعة الإقليم سياسياً ..
هل سيكون الجنوب .. رأس حربة للاخوان ؟
التطور السياسي الأكثر خطورة على الجنوب العربي جاء من التركيبة السياسية اليمنية في الشمال ، فالشمال المتزاوج بين القبيلة والعسكر يشكل فيه حركة الاخوان المسلمين ما يمكن وصفه بـ ( وشيجة ) التقارب الجامعة بين الأطراف السياسية والقبلية والعسكرية ، فالاخوان لعبوا أدواراً مهمة في اليمن ولهم ارتباطهم الوثيق مع الحركات الاخوانية في العالم العربي ، وهم امتداد واسع أكدته مرحلة الفوضى أو الربيع العربي التي شكلوا فيها عنصر الاستحواذ على رغبات الشعوب العربية الراغبة في التغيير ..
ما نتج عن الحوار الوطني على مدار عشرة أشهر هو استحواذ الحركة الاخوانية على كثير من مفاصل الدولة اليمنية ، ومن المهم النظر على أن هذه الحركة تحاول بكل ما تمتلكه الآن على بسط نفوذها على الجنوب للعب دور محوري بعد سقوط الحركة الاخوانية في العديد من العواصم وعلى رأسها القاهرة وتضعضعها في عواصم أخرى والأخطر انكشاف مشروعها في الخليج العربي وما تحاول من خلاله جرجرة المنطقة إلى مرحلة تشكل فيها مساحة اليمن شمالاً وجنوباً رأس الحربة ورسم حزام طويل في جنوب المملكة العربية السعودية ..
هذا الخطر الحقيقي الذي يواجه شعب الجنوب العربي ، وهذا الخطر الذي يحمل بُعداً يتجاوز كثيراً مرحلة التباطوء الغير مبرر من دول الإقليم تحديداً لتجنيب الجنوب العربي ارتهاناً غير محمود العواقب ، لذا فأن على دول الاعتدال وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تكون أكثر جرأة في القرار السياسي وعدم تكرار التجربة المصرية التي تركت المساحة الكافية لوصول الاخوان الى مركز صنع القرار , لمعالجة القضية الجنوبية في توقيت يلتزم أولاً وأخيراً باستقرار وأمن شبة الجزيرة العربية
بقلم : سالم عمر مسهور
للتواصل عبر التويتر
@hsom67