صارت اليمن ساحة مستباحة وبئر لطمر كل النفايات الثقافية والسياسية والمذهبية في نسيجه الاجتماعي ، فاليمن السعيد بثورته الربيعية وحكومته كاملة الدسم فتحت المطارات والأبواب لكل ناعق أو داعية فتنة أو مدعي ثقافة أو صاحب نهج ومشروع عنفي وإقصائي يشرِّع حياتنا البائسة ساحة للصراع والقتل والتدريب والتجهيز للمشاريع المحلية والاقلمية والدولية ، تتم هذه الدعوات والأفعال الشنيعة والطائفية على عينك يا تاجر بمباركة الدولة وأجهزتها الحكومية ، فتصرف التأشيرات وتقدم التسهيلات لكل حامل فتنة ومناصر للقتل والعنف والإقصاء ليروج لها بضاعة وتجاره قابلة للتوسع والازدهار .
تتصدر وسائل الإعلام بحضرموت هذه الأيام دعوات على وسائل إعلام حكومية متواكبة مع حملات في وسائل التواصل الاجتماعي مصحوبة بلافتات ومطويات باهظة الثمن تروج لمحاضرات وحفلات دينية لشيخ سعودي قطري يلقب " أبو زقوم " سيدشنها يوم الجمعة القادم بخور المكلا .
من غير الملائم رفض الدعوة للخير أو الوقوف ضد زيارة الشيخ الكريم ، ولكن السؤال التي يقتضي الإجابة والتفسير ، كيف تفتح مساجدنا ومنابرنا لتكون ساحة مستباحة لكل صاحب فتنة أو حامل مشروع سياسي ومذهبي دون إشراف أو حتى مراقبة الجهات المسؤولة في الدولة والمحافظة كوزارة الأوقاف ونحوها ، فبلادنا اليوم ساحة لا ترد يد لامس يتم توظيف الدين والقيم وأخلاقيات المجتمع لخدمة ومناصرة مشاريع وأيدلوجيات سياسية وحزبية ومذهبية .
فبالأمس كان الداعية السعودي عائض القرني يروج لطاعة ولي الأمر بمسجد الصالح ويراجع الحوثيين في سجون الدولة ليهديهم طريق الصواب ، فما ان وقعت الأزمة في اليمن واشتد الصراع بين أطراف السياسية ، حتى انبر هذا الشيخ يفتي بالخروج على ولي الأمر الظالم وتصفيته وسحله ، وسار على هذه الدرب السياسي الداعية طارق السويدان صاحب نظرية اقتلوا وفجروا الوطن والمصالح العامة لإقالة الطاغية بصنعاء ، بينما تغيرت فتواه في البحرين إذا دعا الشعب البحريني للحوار والتسامح وعدم حرق بلادهم .
شرَّعت الدول التي تحترم سيادتها وقانونها لطرد أولئك الدعاة ، حتى تلك الدول التي انتهجت تسخير دعاتها ومشائخها للاستثمار في الثورات باسم الدين ، ومنعت كل من يدعو للعنف والعنصرية والمذهبية من ارتقاء منابرها وسنت القوانين لمعاقبته وتجريمه ، بينما قامت تونس الدولة الرائدة في مشروع الربيع العربي على منع أي داعية سياسي لدخول أراضيها لتحريضهم الشباب على العنف والتطرف ، وإرسالهم توابيت للقتل باسم الجهاد ونصرة الدين في الأقطار التي تشهد صراعات سياسية وعسكرية .
عند كل منعطف سياسي أو ثقافي بخطاب يدغدغ مشاعرنا بان أسلافنا وعلمائنا الحضارم هم من نشر الإسلام المعتدل والمتسامح في كل أقطار العالم . فما بال هذه الجمعيات والمؤسسات التي تجعل أبناءنا ونساءنا مختبرا للتجارب السياسية والمذهبية لخدمة مشاريع سياسية وحزبية ضيقة تفجر مجتمعاتنا وتفخخ ثقافتنا وتؤسس لصراعات العسكرية ودينية طائفية .