كان الربح الوفير هو اكبر دافع لقوة القراصنة واستمراره. فعادة ما يضطر أصحاب السفن المحتجزة لدفع مبالغ كبيرة من الأموال للخاطفين ليتجنب افراد الأطقم والسفن الأذى والتهديدات بالقتل والاضرار. وفي السنوات الاخيرة، ازدادت اطماع القراصنة حتى طلبوا في غير مرة مليوني دولار مقابل الافراج عن السفن كبيرة الحجم التي في قبضتهم.
وهكذا حصل القراصنة الصوماليون على ربح وفير من اعمالهم الاجرامية. ووفق صحيفة[1] البريطانية فان القرصان الصومالي قد يكسب 70 الف دولار سنويا، بزيادة قدرها 150 مرة مقارنة مع متوسط دخل الفرد السنوي في الدولة الواقعة بالقرن الافريقي والذي يبلغ 500 دولار فقط .
وبهذه الأموال يبني القراصنة فيلات ضخمة ويشترون سيارات فاخرة ويقيمون حفلات زفاف فاخرة، ما يجذب المزيد من الفقراء للانضمام اليهم. ولذا تجاوز عدد القراصنة في الصومال 1500 ويزداد بواقع 400 شخص سنويا على الاقل, حسب الاحصائيات المعنية.
ثالثا، يعتقد ان وراء القراصنة الصوماليين شبكة اجرامية معقدة، يقيم قادتها وممولوها في كينيا وبعض الدول الخليجية، وهم يستخدمون الأرباح لارتكاب جرائم منظمة أخرى مثل التجارة بالمخدرات والاتجار بالبشر.
وفي هذا السياق أشار بيتر فام، استاذ العلوم السياسية والخبير في شئون تمويل القرصنة الصومالية بجامعة جميس ماديسون الامريكية ، إلى أن “تمويل نشاط القرصنة في الصومال يتم بصورة اقرب الى الاكتتاب العام. فلكي يبدأ نشاط القرصنة تحتاج أي مجموعة الى ما بين 150 الف و250 الف دولار. لكن اذا كان الهدف هو تمويل مجموعة قائمة بالفعل فلا يحتاج الامر الى اكثر من 50 الف دولار يمكن ان يشارك اكثر من طرف في توفير هذا المبلغ ويتقاسمون ارباح النشاط بعد ذلك”.
رابعا، يتزود القراصنة الصوماليون بالاجهزة الحديثة والتكتيكية الملائمة ، فلم يعودوا القراصنة القدماء الذين كانوا يستخدمون اسلحة بيضاء ولا يعرفون الا الهجوم العشوائي، والان يستخدمون هواتف للاتصالات عبر الاقمار الصناعية واجهزة ملاحة قمرية وغيرها من اجهزة الاتصالات المتطورة، بالاضافة الى بنادق آلية قوية أو حتى الصواريخ[2] وكذلك يتخذون اساليب متنوعة مثل الاهتمام بالتعاون بين القوارب الهجومية واللوجيستية.
– جهود دولية في مكافحة القرصنة البحرية ونقائصها
من اجل مكافحة القرصنة البحرية وكبح انتشارها وتفاقهما، ارسلت الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) وكوريا الجنوبية واليابان والهند وماليزيا اساطيل بحرية الى خليج عدن والبحر العربي للقيام بدوريات لحراسة السفن المدنية العابرة لهذه الممرات البحرية الممتلئة بالمخاطر.
تجدر الاشارة الى ان البحرية الصينية بعثت 18 سفينة حربية و16 طائرة مروحية و490 فردا من القوات الخاصة في 7 دفعات منذ ديسمبر 2008 وحتى ديسمبر 2010، في مهام لحراسة السفن الصينية وطواقمها وكذا حماية السفن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي وغيره من المنظمات الدولية التي تحمل المساعدات الانسانية وتقديم الدعم الامني لسفن غير صينية ايضا.
وذكر[3] ان اساطيل البحرية الصينية قدمت الحراسة الامنية لـ 3139 من السفن المدنية الصينية والاجنبية خلال عام 2010 , ونجحت في انقاذ 29 سفينة تعرضت لهجمات القراصنة.
وقال الكتاب الابيض ان الصين تتخذ موقفا ايجابيا ومنفتحا لتعزيز التعاون الدولي في حراسة السفن، حيث اقامت اساطيل البحرية الصينية نظاما لتبادل وتقاسم المعلومات والاستخبارات في مجال القرصنة، واجرت اساليب من التعاون مع السفن الحربية الاجنبية المتواجدة في خليج عدن والبحر العربي.
أما على الصعيد الدبلوماسي، تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية لتعزيز جهود مكافحة القرصنة وبحث السبل الكفيلة بالقضاء عليها, ومنها المؤتمر الدولي لمكافحة القرصنة تحت عنوان ” التهديد العالمي وأشكال الاستجابة الإقليمية : صياغة منهجية مشتركة لمواجهة القرصنة البحرية ” والذي افتتح اعماله في ابو ظبي يوم 18 ابريل الجارى بمشاركة عدد كبير من وزراء الخارجية وكبار المسؤولين من 25 دولة حول العالم، بالإضافة إلى الهيئات والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمنظمة الدولية للملاحة.
وعلى هامش المؤتمر، خصصت دولة الإمارات والأمم المتحدة اجتماعا للمانحين بهدف دعم صندوق الأمم المتحدة الخاص بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية والذي أطلقه أمين عام الأمم المتحدة في يناير من العام 2010 بناء على طلب من مجموعة الاتصال الدولية بشأن القرصنة قبالة سواحل الصومال.
واكد وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في كلمة افتتاح المؤتمر الذي يعد الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، ان المؤتمر يمثل فرصة في توحيد الجهود لإنهاء التهديد الذي تشكله القرصنة على النشاط البحري الدولي.
واعتبر ان القرصنة البحرية تمثل احد اكبر التحديات التي نواجهها في هذه الفترة وتتطلب استجابة شاملة ومتكاملة يقودها كافة أصحاب المصلحة والمعنيين بهذا القطاع ، مشيرا الى أن قوات الامارات المسلحة انضمت الى الجهود الدولية في تحرير رهائن السفن المختطفة وفي التعاون مع الدول الصديقة في هذا الشأن.
رغم ان الجهود العسكرية او الدبلوماسية قد حققت نجاحا كبيرا، لفت محللون الى انها ما زالت محدودة الى حد كبير. اولا، لا يمكن لعشرين سفينة حربية اجنبية متواجدة في خليج عدن والبحر العربي أن تقوم بدوريات تغطي هذه المياه مترامية الاطراف. وحسب تقديرات الاسطول الامريكي الخامس الذي يتخذ من البحرين مقرا له ، تحتاج تغطية كل ربوع خليج عدن الى نحو 60 سفينة حربية على الاقل . لذلك مازالت لدي القراصنة فرصة لخرق خطوط الحراسة.
وبالاضافة الى خليج عدن بشمالي السواحل الصومالية، تمتد القرصنة الى شرقي وجنوبي السواحل الصومالية ايضا . وعلى سبيل المثال، كانت قد سقطت سفينة صيد تابعة لتايوان الصينية قبل عامين بايدى قراصنة بالقرب من جزر السنغال على بعد اكثر من 1300 كيلومترا عن السواحل الصومالية.
وفي الوقت الذي يصعب فيه حراسة جميع السفن العابرة لخليج عدن، تعتبر حماية كافة مياه شرقي وشمالي المحيط الهندي من اعتداءات القراصنة مهمة مستحيلة.
أما كيفية التعامل مع القراصنة المحتجزين فهي مشكلة حرجة. وفي سجن شيمو لا تيوا بمدينة مومباسا الكينية المطلة على المحيط الهندى ، يحتجز اكثر من 200 قرصان صومالي، حيث قال مندوب الاتحاد الاوروبي لدى كينيا السفير لودفيك بريت “اننا نري انه باستثناء الضرورة، لايجب احتجاز المعتقلين على المدى الطويل”.
– استقرار الصومال ونموها هو السبيل الوحيد لاستئصال القرصنة:
اذا اخذنا في الاعتبار ما ذكرناه في السابق بجدية، فليس من الصعب ان نتوصل الى أن جذور القرصنة تكمن في اليابسة وليس البحر، ما يوضح اهمية انهاء الحروب الاهلية المستمرة منذ نحو عشرين سنة في الصومال, وخلق الاجواء الآمنة والتنموية لعامة الشعب الصومالي.
وفي هذا الاطار، شدد وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على ان بلاده تدرك أن “حل قضية القرصنة يرتبط أساسا بمسائل الاستقرار والتنمية كحل على المدى الطويل للحد من الجريمة والعنف، وان التصدي للقرصنة لا يمكن ان يكون فاعلا الا من خلال تغيير جوهري في ظروف الاستقرار والامن في البر الصومالي”، داعيا الجميع الى مساعدة الصومال “مساعدة تكفل لها السيطرة على الظواهر السلبية التي تفشت نتيجة انعدام الامن والاستقرار”.
من جانبه، اكد وزير الخارجية الصومالي السابق علي احمد جامح بأنه لايمكن حل قضية القرصنة ووضع حد للازمة التى تزعزع الصومال إلا بعد اقامة آلية دولة قوية وتشكيل حكومة قادرة في اليابسة.
واضاف ان بلاده بحاجة الى المزيد من الدعم الدولي لاستئناف النظام الحكومي واستعادة ثقة الشعب.
كما اكد الدكتور تشاو شياو تشوه، الباحث في اكاديمية العلوم العسكرية الصينية، على “اهمية أن تتمثل الجهود الدولية في المصالحة الوطنية بين الفصائل الصومالية المختلفة والاستقرار الداخلي والتنمية الاقتصادية. وثمة حاجة الى تشكيل حكومة مركزية موحدة وانشاء نظام قانوني متكامل ودفع التنمية الاقتصادية المحلية، نظرا لان الصومال دولة تعاني من الحروب الاهلية والفوضى السياسية