السيدين محمد علي الجفري والمحامي شيخان الحبشي في الأمم المتحدة
أنصفوا التاريخ.. قبل أن تنصفوا الرابطة
*- شبوة برس - د. حسين لقور بن عيدان
في تاريخ الجنوب العربي، هناك محطات لا يجوز القفز فوقها، وأسماء لا يمكن شطبها من ذاكرة نضال شعبنا ونحن نعيش ذكرى 14 أكتوبر.
من بين تلك الأسماء يبرز حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، الذي حمل منذ مطلع الخمسينيات فكرة الهوية الجنوبية، ودافع عن حق أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم قبل قيام تجربة اتحاد الجنوب العربي عام 1959 بين سلطنات ومشيخات الجنوب، في وقت لم تكن فيه فكرة الاستقلال قد نضجت بعد لدى كثير من القوى السياسية في المنطقة.
منذ تأسيسه، لم يكتفِ قادة الحزب محمد علي الجفري وشيخان الحبشي وغيرهم بالعمل المحلي، بل انفتح على العالم، رافعًا قضية الجنوب إلى الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية في زمنٍ لم يكن للعرب فيه حضورٌ كبير داخل تلك المنابر الدولية. بفضل هذا الجهد، أصبحت قضية الجنوب العربي جزءًا من نقاشات لجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي اللجنة التي أنشئت لمتابعة تنفيذ قرار الجمعية رقم 1514 الصادر في 14 ديسمبر 1960، والذي أعلن “حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وإنهاء كل أشكال الاستعمار”.
في عام 1963 ناقشت اللجنة وضع الجنوب العربي في أكثر من جلسة، وأصدرت في 3 مايو 1963 قرارًا بتشكيل لجنة فرعية لزيارة عدن و المنطقة والاستماع إلى ممثلي السكان والأحزاب. ثم في 19 يوليو 1963 أقرّت اللجنة بأغلبية أعضائها توصية تؤكد أن شعب الجنوب العربي يجب أن يُمنح الفرصة الكاملة لممارسة حقه في تقرير المصير بحرية أي قبل 14 أكتوبر 1963.
وفي 11 ديسمبر 1963 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1956 (الدورة الثامنة عشرة) الذي أدان استمرار السيطرة الاستعمارية، ودعا إلى الإسراع في منح الشعوب استقلالها. وبعدها بخمسة أيام، في 16 ديسمبر 1963، أصدرت الأمم المتحدة قرارها الشهير رقم 1972 (الدورة نفسها) حول الوضع في عدن والجنوب العربي، والذي طالب بوقف الاعتقالات والترحيل القسري، والإفراج عن القادة السياسيين والنقابيين، وتمكين السكان من حرياتهم السياسية.
كانت تلك القرارات بمثابة اعتراف رسمي بحق الجنوب العربي في تقرير مصيره، وهو المبدأ الذي نادت به الرابطة منذ تأسيسها.
لكن مسار الأحداث تغيّر حين تداخلت المصالح الإقليمية والدولية بعد 1964. فبمجرد أن بدأت المخابرات المصرية والبريطانية في دعم عناصر الجبهة القومية وجبهة التحرير، تم إقصاء حزب الرابطة، و نفي وتشريد قادته، وهدم منازلهم، في واحدة من أكثر مراحل العمل الوطني قسوةً وغموضًا.
وبعد الاستقلال، لم يتوقف الإقصاء عند حدود الجغرافيا، بل امتد إلى اغتيال معنوي وفكري للرابطة ورموزها، من قبل من وصفهم المؤرخون بـ تجار "اليَمنَنة" الذين سعوا إلى طمس الهوية الجنوبية واستبدالها بهوية يمنية مصطنعة.
ورغم مرور العقود، ما زالت هذه الحملة مستمرة ضد حزب الرابطة، رغم أنه أقرب الأحزاب السياسية اليوم إلى طموحات الجماهير الجنوبية، وأكثرها تمسكًا بالهوية العربية الجنوبية وحق الشعب الجنوبي في استعادة دولته وسيادته.
إن إنصاف حزب الرابطة اليوم ليس ترفًا سياسيًا، بل هو ضرورة تاريخية لإعادة كتابة السرد الجنوبي بصدق. فالذين حُوربوا لأنهم طالبوا بالتحرر قبل سبعين عامًا هم أنفسهم من وضعوا الأسس الفكرية والسياسية لنهضة الجنوب اليوم.
إن من يريد أن ينصف الحاضر، لا بد أن ينصف التاريخ أولًا.
والتاريخ يقول بوضوح: إن أول من حمل قضية الجنوب إلى الأمم المتحدة ورفعها إلى العالم كان حزب رابطة أبناء الجنوب العربي.
المراجع والهوامش:
1 . قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 (الدورة الخامسة عشرة) – إعلان منح الاستقلال للشعوب والدول المستعمرة (14 ديسمبر 1960).
2 . تقرير لجنة تصفية الاستعمار، الأمم المتحدة، نيويورك، جلسات عام 1963 بشأن عدن والجنوب العربي.
3 . قرار الجمعية العامة رقم 1956 (الدورة الثامنة عشرة) – 11 ديسمبر 1963.
4 . قرار الجمعية العامة رقم 1972 (الدورة الثامنة عشرة) – الوضع في عدن، 16 ديسمبر 1963.