القنبلة التوراتية بدل القنبلة النووية

2025-08-16 12:34

 

أمّا وقد دخلنا نهائياً في الملكوت الأميركي , خصوصاً بعد استقالبنا السيادي الرائع لعلي لاريجاني . وكان هناك من يقول , بصدق , للمبعوث الايراني "لقد لعبتم , جيوسياسياً , على مدى أربعة عقود , في المكان الخطأ , وفي الوقت الخطأ , لظنكم أن باستطاعتكم فرض نفوذكم الأمبراطوري في المنطقة التي تم تطويبها , منذ عام 1957 , واطلاق "مبدأ ايزنهاور" , مستوطنة أميركية , دون أن تكون هناك روسيا , المثقلة بمشكلاتها الاقليمية والدولية , والتي تعاملت مع قضايانا , بأطراف قدميها , كما راقصات البولشوي , ولا الصين , حيث ينتفي أي دور سياسي أو استراتيجي . تنين بجناحي الفراشة .

 

  كل ما تريده الادارة الأميركية قمنا به على أفضل وجه , على أمل ألاّ يطلب منا القيام بما تريده الحكومة الاسرائيلية على أفضل وجه , وقد لاحظنا كيف انفضّ حلفاء "حزب الله" عنه , الواحد تلو الآخر , ليبدو جلياً مدى تجذر الزبائنية في أدائنا السياسي . ولكن ألا نلاحظ كيف أن التعليقات الأميركية , والاسرائيلية , التي رحبت بقرارات مجلس الوزراء ألمحت الى خطوات أخرى مرتقبة حول شق الطريق بين بيروت وأورشليم , كعامل أساسي , في قيام دولة لبنانية غير قابلة للكسر أمام أي هزة اقليمية أو دولية . بمعنى آخر ... جمهورية البيفرلي هيلز !

  لا شك في رغبة الرئيس جوزف عون في اعادة بناء الدولة تحت المظلة الأميركية , كي لا يعيد تجربة الرئيس ميشال عون الذي , اذ وصل الى القصر , بعد تلك السلسلة من التسويات (الصفقات) , جثة هامدة , ليبشر اللبنانيين في أواخر عهده , بالذهاب الى جهنم . ولكن هل يمكن التصور بوجود فارق بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في النظرة الى لبنان ؟

 

وسط ذلك المشهد الضبابي الذي يحكم العلاقات بين الطوئف في لبنان , يظهر رئيس الحكومة الاسرائيلية ليلقي في وجهنا القنبلة التوراتية , الأشد هولاً , من القنبلة النووية , وهو الذي لم يتوقف , يوماً , وعلى امتداد العامين المنصرمين , عن الاعلان أنه يعمل تحت امرة "رب الجنود" , بتنفيذ كل ما ورد في النصوص المقدسة , وعلى غرار أي منظومة ايديولوجية أخرى لا تأخذ بالاعتبار جدلية الأجيال , ولا ديناميات التفاعل بين النصوص التي توصف بالالهية والأزمنة, 

 

نتنياهو توّج كل تصريحاته السابقة بالقول لقناة 24 "انني في مهمة تاريخية , وروحانية , وترتبط عاطفياً برؤية ـ والحقيقة رؤيا ـ اسرائيل الكبرى . دولة فوق العالم , وفوق التاريخ , لتحكم بالدم , والنار , الأمم الأخرى . ولقد سبق وتساءلنا هل هو تغييرالشرق الأوسط أم تفجير الشرق الأوسط لكي يظهر الماشيح وهو يختال فوق الجماجم ليقود العالم ...لا مجال لأي حاكم عربي أن يقف وراء الجدران الزجاجية . 

 

نتنياهو يريد تعريتنا حتى من هياكلنا العظمية . وكنا قد ثابرنا على الكتابة , ومنذ اشهر , عن أن المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي الذي يتقاطع فيه الايديولوجي مع الاستراتيجي , يتعدى بكثير دومينو التطبيع . لن تكون هناك دولة فلسطينية (مهما علت النيران من قبور الفلسطينيين) . ولن تكون هناك دولة لبنانية , ولا دولة سورية (التي لا يعرف الآن أي نوع من الأشباح يتولى ادارتها) , ولا دولة أردنية (وقد استحدثت لتكون الخنجر في الخاصرة السورية وحتى في الخاصرة الفلسطينية) .

 

منذ زئيف جابوتنسكي وحتى حاييم وايزمان الذي لم ير في "دول الطوق" سوى قرى لقبائل بدائية أشبه ما تكون بقرى الهنود الحمر التي أزيلت , وأهلها , من الوجود , مروراً بمراسلات دافيد بن غوريون وموشي شاريت , وصولاً الى بنيامين نتنياهو (الملك بيبي) , الذي ترعرع على يدي أبيه المؤرخ بن صهيون نتنياهو , وحيث يفترض , قبل بلوغ الدولة العبرية الثمانين (وهو تاريخ ذا دلالة في الليتورجيا اليهودية) , اعلان قيام "امبراطورية يهوه" , أي من النيل الى الفرات , وخالية من الغوييم , أي من الأغيار .

 

زعيم الليكود أطلق مشروعه في حضرة الأمبراطور الأميركي الذي هاله ضيق مساحة اسرائيل (الصغرى) , وهي أقل من مساحة ولاية نيوجيرسي التي تحتل المرتبة الـ 47 , من حيث المساحة , بين الولايات الخمسين , واعداً بتوسيع هذه المساحة , على اساس الحاق غزة والضفة اليها , قبل أن يتبين ما يجول في رؤوس ذئاب اليمين الذين يعتقدون أنه آن الأوان لا لتغيير الشرق الأوسط , وانما لتفجيره , أذ ماذا يعني تمدد اسرائيل في دول المحيط , سوى التمهيد لعملية جراحية كبرى تعيد ترتيب الخريطة التي صاغتها اتفاقية سايكس ـ بيكو . ترامب هو الذي قال ان هذه الاتفاقية قد شاخت , ولا بد من رسم خارطة جديدة تتلاءم ومقتضيات القرن (القرن الأميركي بطبيعة الحال) .

 

عادة , لا نكترث بتفاهات كمال اللبواني , وبمغالطاته القذرة , في التعامل مع الوضع اللبناني , وكان حصان أورشليم في المعارضة السورية  . ولكن ألا تشير معلومات الظل الى ذلك السيناريو الذي يعتبر أن لبنان لا يستطيع الاستمرار دون تواجد القوات السورية على أراضيه , اذا كان هناك من يصغي بين عشاق قبائل ياجوج وماجوج في لبنان الى ما يتردد الآن , وما وصلت أصداؤه الى حواضر أوروبية معنية بيقاء لبنان .

  نزع سلاح "حزب الله" ذريعة تكتيكية تتعدى بكثير المفهوم الفولكلوري للسيادة , أو مصطلح "حصرية السلاح" . لبنان مثلما هو داخل المشروع الاسرائيلي , هو داخل مشاريع أخرى تعني أن المنطقة مقبلة على تفجيرات تقلب الخارطة الشرق رأساً على عقب . حدقوا جيداً بالاصابع الأميركية الغليظة ...