*- شبوة برس - وضاح قحطان الحريري
الجنوب العربي وقوى اليمن اليوم ليس في مرحلة عادية من الصراع، بل في قلب إعصار سياسي واقتصادي تتقاطع فيه الأجندات الداخلية مع الضغوط الخارجية، وتتسابق فيه قوى النفوذ على خنق أنفاسه. انهيار الريال اليمني إلى مستويات مهينة لم يكن نتيجة عجز اقتصادي بحت، بل حصيلة خطة ممنهجة للتجويع وإرباك المشهد، قادتها قوى يمنية شمالية ترفع شعار الشرعية بينما تمارس أبشع أشكال الفوضى المنظمة، بهدف ضرب المجلس الانتقالي الجنوبي وشعب الجنوب الذي يصر على استعادة قراره وسيادته. عودة عيدروس الزبيدي إلى الداخل لم تكن مجرد نشاط سياسي، بل إعلان مرحلة مواجهة جديدة، مدعومة بغطاء إقليمي ودولي، تستهدف قلب موازين اللعبة.
تحرك السوق النقدي مؤخراً لم يكن معجزة اقتصادية، بل نتاج ضغط دولي مباشر، وخاصة من الولايات المتحدة، على مراكز النفوذ المالي التي تحكم قبضتها على العملة منذ عقود. إمبراطورية هايل سعيد أنعم، ومجموعة الرويشان، وإخوان ثابت، وبعض البنوك وشركات الصرافة، ليست مجرد كيانات اقتصادية، بل أدوات سياسية تشكلت في عهد علي عبدالله صالح، واستمرت كدولة عميقة داخل الدولة، تملك القدرة على إسقاط أي إصلاح اقتصادي في الجنوب خلال أيام إن تعارض مع مصالحها.
على الأرض، اشتعلت حضرموت من الوادي إلى تريم وسيئون، في انتفاضة شعبية ضد قوات شمالية تسرق الثروات وتوزع الفتات، وتعيد إنتاج الاحتلال بثوب الشرعية. هذه الهبة ليست حدثاً معزولاً، بل امتداد لسلسلة الانتفاضات التي عرفتها عدن وأبين والضالع وشبوة ولحج والمهرة، ضد نفس المنظومة التي تتاجر بالحرب وتعيش على إطالة أمدها، بينما ترفع شعار تحرير صنعاء وهي في الحقيقة تحمي الحوثي من الجنوب.
وفي الخلفية، تمضي خطة أخطر: إغراق الجنوب بموجات نزوح ممنهجة تحت غطاء إنساني، هدفها الحقيقي كسر توازن الجنوب الداخلي وإغراقه بأزمات اقتصادية وأمنية وخدمية، وفتح ثغرات للفوضى وربما الإرهاب. هذه السياسة تتكامل مع أدوات الضغط الاقتصادي، وتعمل كذراع موازٍ لإفشال أي محاولة للاستقرار.
كل هذه المؤشرات تضع المجلس الرئاسي على حافة اختبار حقيقي، مع تصاعد التوقعات بأن التغيير قد يطال بنيته بسبب عجزه المزمن عن اتخاذ قرارات مصيرية. في المقابل، يتحرك الزبيدي بخطوات محسوبة، من لقاء السفير الصيني في عدن، إلى قنوات التواصل مع روسيا وأمريكا، في محاولة لصياغة معادلة سياسية جديدة تفرض واقعاً مختلفاً، وتحمي المصالح الدولية في الجنوب، وتكسر لعبة الابتزاز التي تمارسها قوى الشمال من الخارج.
الجنوب اليوم أمام لحظة مفصلية؛ إما أن يلتقط فرصة الدعم الدولي والضغط الشعبي ليكسر قيود الدولة العميقة ويعيد تشكيل المشهد لصالحه، أو يترك زمام المبادرة لينزلق مجدداً إلى دائرة الفوضى. المعركة الحقيقية ليست في جبهات القتال فقط، بل في كسر منظومة النفوذ الاقتصادي والسياسي التي صنعت الأزمات، ووضع الجنوب على طريق استعادة القرار بلا رجعة