لم تكن قضية الجنوب يومًا مسألة جغرافيا أو طموحًا سياسيًا محدودًا بل كانت وما تزال قضية وطنية عادلة، ونضالًا تحرريًا شارك فيه أبناء الجنوب من مختلف المناطق والانتماءات وقدّموا في سبيله الدماء والدموع وواجهوا كل أشكال القمع والتنكيل والخذلان منذ حرب 1994 وحتى اليوم.
لكن ما يهدد هذا المشروع اليوم لا يقتصر على بقايا الاحتلال ومحاولاته المكشوفة بل الأخطر من ذلك: تلك الأصوات التي تعمل من داخل الصف الجنوبي وتدفع نحو الفرقة والانقسام عبر تغذية النعرات المناطقية وخلق اصطفافات جهوية لا تخدم إلا أعداء الجنوب.
هذه الاصطفافات التي تتغذى على العصبية والانتماءات الضيقة، ليست سوى خناجر مسمومة تطعن مشروع الاستقلال من الداخل وتُشتّت الجهود، وتُضعف وحدة الصف، وتخدم خصوم القضية دون أن يُطلقوا رصاصة واحدة.
لقد عبّر الجنوبيون مرارًا عن رفضهم لما يُسمى الوحدة وواجهوها بمواقف صلبة وأفشلوا كل محاولات إعادة إنتاج رموزها أو فرضها من جديد. قالوا كلمتهم في كل الميادين واختاروا طريقهم بوضوح، لكن المؤسف أن بعض الأصوات المحسوبة على الجنوب بدأت تنحرف عن هذا المسار، وتتحول إلى أدوات تهدد الصف من الداخل.
بعض هذه الأصوات بوعي أو بغير وعي، تعمل لصالح مشاريع مشبوهة أو تركض خلف مكاسب شخصية في أي تسوية قادمة غير مدركة أنها تُضعف القضية وتمنح الخصوم ما عجزوا عن تحقيقه بالمواجهة المباشرة.
نحن اليوم بحاجة إلى خطاب يوحد لا يفرّق، وإلى رؤية وطنية شاملة، لا مشاريع صغيرة قائمة على المحسوبيات والانتماءات الضيقة. يجب أن نرتقي جميعًا إلى مستوى المسؤولية وأن نقدّم مصلحة الجنوب فوق كل اعتبار.
فالجنوب لن يُبنى بأصوات الفتنة ولا بأوهام المناطقية بل بسواعد أبنائه المخلصين ووحدة جبهته الداخلية. وإذا أردنا النصر في معركتنا، فعلينا أن نرفع راية الجنوب فوق كل راية وننأى بأنفسنا عن كل أشكال الاصطفاف الجهوي.
ومن هنا، نُخاطب قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وكل القوى الوطنية الجنوبية أن يتعاملوا بجدية وحزم مع كل من يسعى لتأجيج الفتن أو تقسيم الصف الجنوبي. فقضيتنا أكبر من الأسماء، وأسمى من المصالح، ولا يجوز التفريط بها تحت أي ذريعة.
لقد آن الأوان لنحمي حلم الشهداء، ونصون مشروعنا الوطني من الطعنات التي تأتي من الداخل قبل الخارج.