خريطة اليمن تتغير بصمت.. من يُمسك بزمام المستقبل؟

2025-07-16 12:39
خريطة اليمن تتغير بصمت.. من يُمسك بزمام المستقبل؟
شبوه برس - متابعات - اخبارية

 

التحالف يتفكك والسعودية والإمارات على مفترق طرق في اليمن

 

*- شبوة برس - جوناثان فينتون:

> على الرغم من توقف الحرب بين إيران وإسرائيل مؤقتًا، فإن التوترات الإقليمية لا تزال قائمة. وتُعد اليمن من الدول المعرضة بشدة لخطر الانزلاق مجددًا نحو فوضى عنيفة أو التصلب إلى حالة من التقسيم الفعلي.

 

كانت الأنظار العالمية قد انصرفت عن اليمن منذ أبريل 2022، حين أدّى وقف إطلاق نار بوساطة الأمم المتحدة إلى تجميد الحرب الأهلية الوحشية في البلاد، ليصبح الصراع في حالة "لا حرب ولا سلام". غير أن اليمن عاد إلى دائرة الضوء بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، عندما بدأت جماعة الحوثيين - وهي جماعة متمردة إسلامية تسيطر حاليًا على معظم أنحاء البلاد - بإطلاق صواريخ نحو إسرائيل واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، معلنة أن تلك الأفعال تأتي تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة.

 

لكن اليوم، تواجه البلاد خطر العودة إلى القتال أو التصلب في حالة من التقسيم الدائم. ففي 12 يونيو، أي قبل يوم واحد من بدء إسرائيل أولى غاراتها الجوية على إيران - التي دعمت وسلّحت الحوثيين منذ اندلاع الحرب الأهلية اليمنية عام 2014 - حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس جروندبرج، قائلاً: "الوقت ليس في صالحنا". وأضاف أن "الخطوط الأمامية المتعددة عبر اليمن لا تزال هشة وتواجه خطر الانزلاق إلى قتال أكثر نشاطًا".

 

ورغم صمود وقف إطلاق النار حتى الآن بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية والإمارات، إلا أن الهدوء الظاهري يُخفي واقعًا مفاده أن كيان الدولة اليمنية يتشظى على الصعد السياسية والاقتصادية والجغرافية. ورغم ما يُشاع من اختزال النزاع في صراع طائفي بين إيران الشيعية والسعودية السنية، فإن جذور الأزمة اليمنية نابعة من مظالم داخلية تعود إلى توحيد شمال وجنوب اليمن عام 1990، وهي مظالم آخذة في الترسخ اليوم.

 

الحوثيون، وهم حركة زيدية شيعية تسيطر على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من الشمال، باتوا يفرضون أنفسهم كحكومة شرعية منذ بدء الهدنة. ويعتبر قادتهم أنفسهم ورثة لنظام الإمامة الانعزالي الذي حكم معظم شمال اليمن من عام 897 حتى سقوطه على يد ثورة جمهورية مدعومة من مصر عام 1962. في المقابل، لا تزال الحكومة المعترف بها دوليًا، والمعروفة باسم "مجلس القيادة الرئاسي"، تفتقر للسيطرة الفعلية على الأرض، وتعاني من انقسامات داخلية بين فصائل متنافسة ذات أجندات متضاربة، خصوصًا حول مسألة الحفاظ على الوحدة الوطنية أو دعم استقلال الجنوب.

 

في الجنوب، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات إلى إحياء دولة اليمن الجنوبي السابقة ما قبل 1990، ويتجلى ذلك في سعيه لترسيخ سيطرته على عدن والموانئ الجنوبية عبر مليشيات تابعة له. وتُعد هذه السيطرة أولوية استراتيجية للإمارات لضمان خطوط الملاحة البحرية من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، مع عدن وسقطرى كمرتكزات حيوية.

 

وفي ظل هذا التشظي القائم أصلًا، أدّت التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة إلى إثارة المخاوف من احتمال انزلاق اليمن إلى حرب أوسع نطاقًا، قد تشعل مجددًا الصراع الداخلي. وقد أطلق الحوثيون بالفعل بعض الصواريخ باتجاه إسرائيل بالتنسيق مع طهران ردًا على الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية العسكرية والسياسية والنووية لإيران في يونيو، لكن دورهم ظل محدودًا نسبيًا. إلا أنهم استأنفوا الهجمات على إسرائيل بعد أربعة أيام فقط من وقف إطلاق النار، في مؤشر على تنامي استقلالهم العملي عن إيران.

 

وفي الوقت ذاته، فشلت الضربات الإسرائيلية الانتقامية على بنى الحوثيين التحتية في القضاء على قدراتهم، بل استغلت الجماعة تلك الهجمات لكسب الدعم الشعبي المحلي. وقد صوّر الحوثيون مواجهتهم مع إسرائيل كوسيلة لتعزيز شرعيتهم الداخلية، حتى مع تدهور الخدمات وانهيار الاقتصاد تحت حكمهم.

 

ويبدو أن هذا يعكس إعادة ترتيب للأولويات من جانب الحوثيين، إذ يركزون الآن على ترسيخ سلطتهم محليًا أكثر من لعب دور وكيل إقليمي لإيران. فرغم استمرار اعتمادهم على الدعم الإيراني في بعض أنواع الصواريخ بعيدة المدى، فإنهم نجحوا في تطوير قدرات تصنيعية محلية تتيح لهم هامشًا من الاستقلال الذاتي. ومع تراجع موقف إيران وخسارتها لمنشآت عسكرية نتيجة للضربات الأمريكية والإسرائيلية، قد يدفع ذلك الحوثيين للتركيز أكثر على الداخل وتقليص اعتمادهم على طهران.

تعمق في التفكك

رغم أن الحوثيين نجحوا في ترسيخ سيطرتهم على الشمال، فإنهم ما زالوا يواجهون مقاومة قبلية وجماعات معارضة أيديولوجيًا. أما في الجنوب، فإنهم يواجهون عداءً صريحًا من الفصائل المنافسة، وعلى رأسها المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية للحكومة. لكن هذه القوى المعارضة نفسها منقسمة، مما يصعّب التنسيق ضد الحوثيين. فعلى سبيل المثال، أُنشئ في يونيو 2023 "المجلس الوطني الحضرمي" بدعم سعودي ليكون بمثابة ثقل موازن للمجلس الانتقالي، ويطالب بالحكم الذاتي في محافظة حضرموت الغنية بالموارد.

 

ويكشف ظهور هذا المجلس عن تشرذم حتى في صفوف معارضي الحوثيين، حيث تتنافس السعودية والإمارات على النفوذ في الجنوب. وتأتي جهود السعودية لتقوية نفوذها في حضرموت عبر المجلس الجديد في إطار مخاوفها التقليدية على حدودها الجنوبية، لكنها تعكس في الوقت ذاته توترات مستمرة مع الإمارات.

 

وفي الجانب الاقتصادي، يتعمق الانقسام كذلك. حيث تعمل البلاد فعليًا بنظامين مصرفيين: بنك مركزي في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، وآخر في عدن تابع للحكومة، ولكل منهما سياساته النقدية الخاصة، بل وحتى العملات تختلف من حيث الأسعار والفئات المتداولة. ويؤدي هذا الانقسام المالي إلى تعقيد إعادة التوحيد وجعلها أكثر صعوبة.

 

كما أن هناك تهديدًا أمنيًا متزايدًا من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يسعى لإعادة إثبات حضوره رغم تراجعه وفقدانه لمناطق استراتيجية. وقد انتقد زعيم التنظيم، سعد بن عاطف العولقي، إسرائيل ودعم الولايات المتحدة لها في خطاب حديث. ورغم أن التنظيم قد لا يستعيد نفوذه السابق، فإن وجوده المستمر يُغذي حالة عدم الاستقرار، خصوصًا في الجنوب الهش.

 

ورغم هذه التحديات، فإن الجهود الدبلوماسية للخروج من حالة الجمود بين الحرب والسلام قد تعثرت. ففي مايو، توسط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتفاق غير رسمي مع الحوثيين لإنهاء الهجمات على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، بعد حملة ضربة جوية وصاروخية أمريكية استمرت شهرًا ولم تحقق نتائج حاسمة. لكن الوضع ما زال جامدًا، والجهود الإقليمية والدولية للوصول إلى حل سياسي شامل فقدت الزخم بعد تعثر متكرر، فيما تبدو القوى الخارجية عاجزة عن التعامل مع الحوثيين.

 

وبذلك، تبقى احتمالية اندلاع حرب جديدة قائمة، سواء من خلال محاولة القوات الحكومية استعادة الأرض، أو من خلال محاولة الحوثيين استغلال فرصة للتوسع. وقد وقعت بالفعل بعض الحشود والاشتباكات المحدودة في الأشهر الأخيرة قرب خطوط التماس، بما في ذلك في مأرب والحديدة ولحج. وفي 5 يوليو، أحبطت القوات الحكومية هجومًا حوثيًا شرق تعز، تلاه انفجار في 12 يوليو أودى بحياة خمسة أطفال، وتبادلت الأطراف الاتهامات حول المسؤولية، ويبدو بوضوح أن اليمن يقترب من نقطة الانفجار.

التورط الإقليمي

رغم قدراتها العسكرية ودعمها للحكومة المعترف بها دوليًا، يبدو أن السعودية مترددة في العودة إلى حرب شاملة مع الحوثيين. وبدلًا من ذلك، تشير تقارير إلى أن الرياض لجأت إلى دعم قبائل شمالية كحاجز ضد الحوثيين، وهي استراتيجية لطالما استخدمتها منذ سبعينيات القرن الماضي.

 

وتستمر الشائعات حول وجود خطط سعودية وإماراتية لدعم عودة الحرب، لكن كلا البلدين نفى ذلك. فكلاهما يتذكر بمرارة الضربات الحوثية التي استهدفت منشآتهما النفطية، لا سيما في 2019 و2022، كما أن أي حرب جديدة قد تُقوّض خطط التنمية الوطنية، خصوصًا "رؤية السعودية 2030". ومع ذلك، لا تزال السعودية والإمارات ترغبان في تحجيم خطر الحوثيين، الذي سيظل مصدر تهديد للملاحة في البحر الأحمر على المدى المنظور.

 

وقد مارست الإمارات ضغوطًا على إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو ما أقدم عليه ترامب في مارس 2025. وردد المجلس الانتقالي رواية الإمارات المتشددة تجاه الحوثيين، وامتدح رئاسة ترامب على أنها تعزز جهود التصدي لهم. وهذا يشير إلى أن المجلس الانتقالي سيكون في طليعة أي تصعيد عسكري جديد، بشرط تسوية خلافاته مع بقية مكونات مجلس القيادة الرئاسي.

 

مع ذلك، فإن اتفاق ترامب مع الحوثيين يعكس أولوياته المتضاربة: ممارسة الضغط عليهم دون الدخول في حرب شاملة. وبالتالي، من المرجح استمرار حالة الجمود. وإذا لم تتفق السعودية والإمارات على دعم انفصال الجنوب، فإن التقسيم الفعلي للبلاد سيترسخ.

 

وفي الوقت نفسه، ورغم خلافاتهما، تدرك كل من الرياض وأبوظبي أن انهيار مجلس القيادة الرئاسي لن يصب سوى في مصلحة الحوثيين. لذا، من المرجح أن تظلا شريكتين – وإن كانتا متوجستين ومتحفظتين – بشأن مستقبل اليمن. ومع ذلك، إن لم يتمكنا من تجاوز خلافاتهما، فإن التقسيم الفعلي داخل اليمن – خصوصًا في الجنوب – سيكون بعيدًا عن الاستقرار.

 

في الوقت الراهن، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الصراع منخفض الحدة، والتفكك البطيء، والشلل السياسي. ورغم أن العودة إلى حرب شاملة ليست حتمية، فإن تجاهل ديناميكيات اليمن سيزيد من احتمالية تجدد العنف، مما يهدد الأمن الداخلي والإقليمي على حد سواء.

 

*- الأيام عن موقع "استعراض الصحافة العالمية".-