أكتب لكم من قرية المصينعة الواقعة في سفوح جبال كور العوالق الشماء م الصعيد م شبوة ، تلك القرية التي لها نصيب من كل الأحداث في محافظة شبوة منذ أيام الاستعمار البريطاني حتى اليوم ، ومع توالي الحروب وازدياد الأوضاع سوء بعد 22 مايو 90 ، تحوّلت قرية المصينعة إلى وكر لعصابات الفساد والإرهاب والمخدرات والجاهلية الأولي ، في المصينعة تلاشت مؤسسات الدولة ولم يكن هناك أي إستقرار حقيقي فيها . ويوجد تراجعاً حاداً في كل شيء فيها : الكهرباء، والمياه، والصحة والتعليم، والأمن والعدالة والمساواة ، وهناك مزيداً من الهجرة الداخلية والخارجية لأهلها ، والأدهى من ذلك هو الانهيار التام في منظومة الأخلاق السياسية والاجتماعية والدينية ، إذ باتت الرشوة والمحسوبية والإتاوات اليومية العرف السائد في تسيير أمور الحياة وبات التطرف والغلو والتعصب من سمات المتدينين فيها . لم تعد الحرب في المصينعة قذائف ورصاص وانفجارات ومسيرات فحسب ، بل صارت إهمالاً يتراكم كغبار الزمن على نوافذ البيوت المهجورة والبيوت الآهلة بالسكان . لم تعد المصينعة القرية التي كنت أعرفها ، بل تحولت إلى أرملة ثكلى تنعى ماضيها وتلعن حاضرها ومستقبلها . في زاويةٍ من ذاكرتي ، تقف المصينعة كشاهد على زمنٍ مضى ، كانت فيه تتنفس بتنوعها وعراقتها وأصالة مجتمعها الإنساني البسيط المتعايش مع بعضه البعض بعيداً عن الصراعات السياسية والاجتماعية التي تغزو اليوم كل حي بل تغزو كل بيت في قرية المصينعة . ورغم كل هذا التدهور ، تظل المصينعة نقطة ارتكاز مهمة في أي مشروع مستقبلي لشبوة ، فالمصينعة تقع في حضن جبال كور العوالق تلك السلسلة الجبلية التي تتصل بكل جبال المحافظات الجنوبية واليمن وعمان . قد تكون المصينعة اليوم مدينة مدمّرة إدارياً متراجعة خدميا وامنياً، ومتأرجحة سياسياً، لكنها لا تزال تحتفظ بشيء عميق في روحها ، فالقرى التي تحتضن التاريخ ويحتضنها التاريخ يصعب موتها ، لذلك لا تزال المصينعة تُقاوم أن تكون وكرا لعصابات الفساد والإرهاب والمخدرات وتقاوم أن تكون مجرد نقطة باهتة على الخارطة توشك إن تختفي . كنت في سوق القرية ، ووقفت أمام مركز شرطة المصينعة سرحت بتفكيري وانا انظر لما آل إليه حال ذلك المركز من مركز أمن واستقرار يخدم العدالة والمساواة إلى خرابة تأوي الغربان والبوم والخفافيش .
المصينعة لم تمت بعد .. ولكنها أضحت أرملة ثكلى تكتب وصيتها كل يوم على جدران المستقبل المجهول !
*- سالم صالح بن هارون