الانتماء يحدد حق الشعب في السيادة على الأرض والحق في القرار

2018-09-13 13:29
الانتماء يحدد حق الشعب في السيادة على الأرض والحق في القرار
شبوه برس - خاص - عدن

 

موقع ودور المجتمع المدني في التنظيم البنيوي للشعوب

 

الأساس العلمي المرجعي الذي نقيم عليه موضوعنا هذا هو الإقرار بالحقيقة العلمية القائلة إن الجيولوجيا تصنع الجغرافيا، والجغرافيا تصنع الاجتماع البشري والاجتماع يصنع السياسة، حيث تبين لنا هذه الحقيقة عناصر البناء الرأسي للشعوب:

1 - عنصر الجغرافيا (الأرض).

2 - العنصر البشري (السكان).

3 - العنصر السياسي (السلطة).

وباكتمال العناصر الثلاثة تكتمل شروط انتقال الشعب إلى دولة.

والانتماء إلى الأرض المحددة وإلى التكتل البشري القاطن على هذه الأرض يشكلان معاً الهوية التي يتحدد على ضوئها الشعب بتحديد حقه في السيادة على الأرض والحق في القرار السيادي المستقل داخل الحدود السيادية.

 

تشكل ثلاثية الهوية والسيادة والقرار السيادي المستقل الأعمدة التي يتحقق بها حق الوجود والبقاء للشعوب، ويحفظها تنظيم بنيوي تتمتع به كل شعوب الأرض.

لهذا التنظيم البنيوي وجهان: وجه خارجي ووجه داخلي، لكل منهما وظائفه وأدواته.

أولاً: الوجه الخارجي: وينقسم إلى قسمين رأسي واقفي.

 

البناء الرأسي الخارجي ومكوناته الأرض، الإنسان وإدارة العلاقة بينهما، هذا التنظيم والعلاقة بين مكوناته مسئولان عن تأمين أسباب الوجود والبقاء الإنساني على الأرض، وهو عام أرض وبشر لا يحكمه أي تحديد.

 

البناء الأفقي الخارجي، ويتألف من المكونات الشعوبية للمجتمع الإنساني. فالشعوب ظهرت كثمرة لاقتسام البشر حقوق السيادة على الأرض وانتقل بموجبها الحق في الأرض من حالة اللا تحديد إلى التحديد وأصبح كل شعب يُعرف بأرضه، بالإضافة إلى أن تشكل البنية الشعوبية للإنسانية خلق توازن أفقي يحمي حدود الحق من أطماع الشعوب تجاه بعضها البعض.

 

الوجه الخارجي للتنظيم البنيوي للشعوب أمر محسوم لا يقبل المناقشة أو التعديل أو الإلغاء، حسمته المشيئة الإلهية عملاً بقوله تعالى: «يأيها الناس إن خلقناكم من ذكراً وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، أن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» . وانتهى إليه المسار الطبيعي للتاريخ الإنساني وأقرت به وشرعنته القوانين الوضعية وأصبح بذلك من المسلمات غير الخاضعة للنقض، وثابت من ثوابت الإنسانية يستمد ثباته من ثبات الحق وثبات الوجود البشري على الأرض.

ثانياً: الوجه الداخلي للتنظيم البنيوي للشعوب.

 

يحتاج الوجه الخارجي الذي تحددت وظيفته بتحديد حدود الحق بين الشعوب وخلق توازن يحمي هذه الحدود إلى توازن داخلي ووحدة شعب تزيد التوازن الخارجي قوة وصلابة أمام أطماع الغير، الأمر الذي يحققه الوجه الداخلي للتنظيم البنيوي للشعب.

يقوم التنظيم البنيوي للشعب في وجهه الداخلي على ثلاثة مكونات بنيوية:

- المكون الأول عنصر الهوية الذي يجمع في جوفه مركب الأرض والبشر وأخذ مسمى الشعب.

 

- المكون الثاني التنظيم الاجتماعي المدني.

- المكون الثالث تنظيم السلطة بأبعادها الثلاثة قضائية، تشريعية، تنفيذية.

سنركز في هذا الموضوع على الحلقة الوسطى في التنظيم البنيوي للشعب (حلقة المجتمع المدني)، أهميته ووظائفه.

 

يشغل التنظيم الاجتماعي المدني موقعاً وسطياً في التنظيم البنيوي الأفقي للشعب، فهو يأتي من ما دونه ويؤسس لما بعده، ويمثل كل منتسبيه الشريحة العمرية القادرة على الفعل من السكان، وبهذا المعنى يمثل التنظيم الاجتماعي المدني حلقة القوة لأي الشعب، وهي المعنية بتأمين متطلبات الوجود والبقاء من معيشة وأمن وإدارة.

 

يتألف المجتمع المدني من مجموع منتسبي القطاعات الوظيفية المختلفة داخل الدولة الذين يعملون من أحل تلبية الاحتياجات المتعددة للشعب المدنية والدفاعية وتلك المرتبطة بالإدارة والسياسة.

طبقاً لذلك يمكن تجميع كل أنشطة التنظيم الاجتماعي المدني في ثلاث وظائف أساسية:

1 - وظيفة تأمين احتياجات المعيشة.

2 - وظيفة ضمان الأمن.

3 - وظيفة تأمين الحرية للناس في اختيار شكل دولتهم ونظام الحكم وشكل علاقتهم بالآخر ومن أجل الإيفاء بتحقيق الوظائف الثلاث يقيم المجتمع المدني علاقاته الوظيفية مع بقية مكونات التنظيم البنيوي للشعب.

 

أولاً: العلاقة بالأرض ووظيفتها إنتاج القوة اللازمة لتلبية الاحتياجات المتعددة للبشر، وبحسب هذا التعدد تتشكل القطاعات الوظيفية المختلفة التي تتألف منها بنية المجتمع المدني.

 

ثانياً: العلاقة بالشعب يلتزم بموجبها التنظيم الاجتماعي للمجتمع المدني بالعمل على تأمين احتياجات الشعب المعيشية والأمنية وحمايته من العدوان الخارجي وكل أشكال الطغيان السياسي الداخلي.

 

ثالثاً: العلاقة بالسياسة والسلطة السياسية

بالإضافة إلى الوظائف المعيشية والأمنية للمجتمع المدني هناك وظيفة ثالثة هي الوظيفة السياسية، فمنتسبي مكونات المجتمع المدني هم القوة الانتخابية في المجتمع، ومن ثم هم من يصنع السياسة ودستورها ويختار الساسة لقيادة البلاد.

التنظيم الاجتماعي المدني وقياداته لا تشكله السياسة، بل تشكله النخب الوطنية التخصصية من مختلف القطاعات الوظيفية في نقابات ومؤسسات المجتمع المدني، لها قيادات فرعية في القطاعات الوظيفية المختلفة تجمعها قيادة عليا تتمثل فيها كل القطاعات.

 

يمثل تنظيم المجتمع المدني لحظة القوة بشقيها لمدني والعسكري التي هي حق للشعب كله (قوة الوطن)، وهذه الخاصية تستوجب الحيادية والولاء للشعب وحده والنأي بنفسها عن أن تكون جزءا من التيارات السياسية التنافسية، فالمجتمع المدني ينبغي أن يكون على مسافات متساوية من التيارات السياسية ويدعم منها الاتجاه السياسي الأقرب في التعبير عن الإرادة الشعبية ويقف ضد من يخالفها.

 

يلعب التنظيم الاجتماعي المدني دور المنظم للعلاقة بين الشعب والسياسة ووظيفته جعل السياسة تابعة للشعب وأداة لتجسيد مصالحه. ومن وظائفه إملاء الفراغ السياسي في زمن انهيار السياسة وهو بوابة إعادة تشكيل السياسة والبنى السياسية وقياداتها.

 

يقوم البناء الهيكلي للتنظيم الاجتماعي المدني على هيكل الدولة بأبعاده الأفقية والرأسية، حيث تمثل حلقات التقسيم الإداري للدولة الأوعية التي يقوم فيها التنظيم الاجتماعي المدني بدءاً بالمديريات مروراً بالمحافظات وانتهاء بالمستوى الوطني، ويظهر هنا بوصفه سلطة موازية للسلطة التنفيذية في مختلف المستويات الدنيا والوسطى والعليا.

 

يصعب حل مشكلة ترتيب حلقة السياسة بدون ترتيب حلقة المجتمع المدني بوصف المجتمع المدني القوة الفاعلة، وهو القوة الانتخابية التي يقع عليها اصطفاء الساسة من بين صفوفها.

 

طبقاً لذلك فإن إعادة بناء التنظيم الاجتماعي المدني وانتخاب هيئاته القيادية وتشكيل اتحاداته المهنية في الاختصاصات الوظيفية المختلفة واتحاده العام في المستوى الوطني يمثل أولوية على غيره في مسار إعادة بناء الدولة. فباستكمال إعادة بنائه يصبح من حقه إعادة ترتيب حلقة السياسة واختيار الساسة والمدراء لشغل المناصب التنفيذية لمرحلة انتقالية مؤقتة في كل حلقات البناء المؤسسي للدولة. وهو التنظيم الأقدر على البقاء في زمن انهيار الدول وهو بوابة إعادة بنائها.

*- د. صالح طاهر سعيد

* أستاذ الفلسفة السياسة المساعد - جامعة عدن

*- عن الأيام