حديث الذكريات .. المعلامة في الصعيد

2015-06-30 11:14
حديث الذكريات .. المعلامة في الصعيد

طلاب المعلامة تحت نظر معلمهم في المطراق

شبوة برس- خاص - الصعيد - شبوه

 

في مرحلة مبكرة من طفولتي ادخلني أبي المعلامة لتعلم القرآن الكريم في معلامة المعلم أحمد سالم المرصعة وقد كان صارماً وعنيفاً مع الصغار الذين لا يستوعبون بسهولة .. وكان يقابل ذلك بالضرب بالعصاء وشد الأذن!!

 

وكرهت المعلامة كرهاً شديدأً بسبب ما كنت أتعرض له من عنف وضرب ..!!!وكان الدوام يبدأ بعد الغداء وكان كل طفل منا يحمل لوحاً خشبياً وقلم من القرط أي قصب الذرة ودواة من الحراب أي شحار المطابخ ويحمل على ظهره كيساً من القماش فيه نسخة من جزء عم ..وانطلق من بيتنا في الهجر واعبر في السواقي متجها الى السوق وكان أبي يتابعني من نافذة الحصن ويرصدني ولكنني اختبئ في الساقية بحيث لا يراني ثم يناديني بأعلى صوته طالبا مني الذهاب الى المعلامة واتلكأ في الطريق ثم أذهب مكرهاً ..

وأحياناً أهرب ولا أذهب اذا غاب أبي ويرسل المعلم في طلبي ثلاثة من الاطفال أكبرمني وأقوى ويقول لهم : هاتوه سحب !!

 

وعندما اراهم مقبلين نحوي اتسلق سواري شجرة السدر في الساقية القريبة كالقرد وأصل الى أعلاها ويحاولون اقناعي بالنزول والذهاب معهم وانا أرفض مرافقتهم ..

ويستمر الجدال بيننا حتى يملوا وينصرفوا عني ثم انزل من العلب واهرب الى الوادي!!!

 

ثم تغير المعلم المرصعة وحل محله المعلم أحمد عمر بانافع وكانت المعاملة في عهده أفضل !!!

دخلنا المعلامة في سن الطفولة المبكرة ومقرها كان في مدرسة آل الحداد في وسط سوق الصعيد وكانوا يجمعون الصغار في المحضرة الرئيسية في الدور الثاني منها .

 

وكان معلمنا الشيخ أحمد عمر بانافع ، يقسمنا الى حلقات لا تزيد عن خمسة أطفال يدرسون في جزء محدد من القرآن الكريم ولكي يسيطر على الصغار وعددهم احياناً يتجاوز ستون طفلاً ويرددون الآيات القرآنية بأصوات عالية .. وفي يد كل واحد منهم مصحف او ختمة على لهجة العوالق !!!

ويطلب من كل واحد منا ان يحني رأسه ويقرأ في الجزء الخاص به ولكي يثبت رأسه يضع نواة الدوم (العجرة) فوق رقبته من الخلف ..يعني في خورته باللهجة المحلية..

 

واذا تحرك او تلفت او رفع رأسه وسقطت العجرة لسعه في ظهره بسوطه الجلدي الطويل !!!

ثم يستدعي أفراد كل مجموعة ويستمع لهم وهم يقرأون القرآن الكريم واحداً تلو الآخر والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يخطئ فالسوط يلسع ظهره كالبرق الخاطف !!!

ويطلب منه الإعادة مرة أخرى حتى يستمع له من جديد !!!

 

ويوم الخميس يحضر كل طفل منا ‘‘صرة‘‘ من البن والزنجبيل قهوة المعلم وهذه عادة معروفة والزامية للجميع ،كما يقوم الآباء بسداد مصاريف شهرية للمعلم حسب امكانياتهم المادية .. وعندما يختم الطفل القرآن الكريم يقام احتفال في المعلامة للذين اتموا ختم القرآن ويحضر آباؤهم ويدفعون للمعلم ريالين او ثلاثة ريالات فرنصة (ماريا تريزا) العملة الفضية السائدة في تلك الأيام ويخرج كافة الصغار من المدرسة الى السوق ثم يتجهون الى بيوت الناجحين يزفونهم في الطرقات بالأناشيد الدينية !!

 

ولتلك المعلامة الفضل الكبير في تعليمنا الصلاة وما نقرأ فيها من قصار السور حفظا والركوع والسجود والتحيات والأدعية وكنا نتمرن عملياً عليها بأداء صلاتي الظهر والعصر جهرا .. بحيث يتقدمنا الطلبة الكبار في السن في المراحل المتقدمة ويقرأون لنا ما يقال في الصلاة جهرا ونحن نردد خلفهم لكي نحفظ الصلاة ونؤديها بصورة سليمة ..

كل ذلك يجري تحت بصر المعلم الشيخ احمد عمر غفر الله له وجزاه عنا خيرا .

والى اللقاء في موضوع جديد

 

* د علوي عمر بن أحمد بن فريد - الصعيد