ياقوتية عدن.. أثر تاريخي تلاشى واندثر ! !

2014-11-11 06:28
ياقوتية عدن.. أثر تاريخي تلاشى واندثر ! !
شبوة برس - متابعات - عدن

 

المدارس الياقوتية تُعتبر أحد عناوين الازدهار التجاري والثقافي والتعليمي الذي شهدته منطقة الركن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية في عهد الدولتين الأيوبية والرسولية.. وكانت تشكل ملحقاً أو جزءاً من المسجد الذي لعب ولايزال دوراً كبيراً في مجال التعليم والتنوير في التاريخ الإسلامي وحياة المسلمين باعتباره مؤسسة للتعليم الديني والدنيوي ومنبراً للتنوير بعلوم الدنيا والدين ومكاناً للتهذيب الأخلاقي السامي .. وكانت المدرسة الياقوتية في عدن إحدى أربع مدارس شيدت في العصر الرسولي في كل من عدن و زبيد وحيس وذي السفال.. وسميت باسم المدارس الياقوتية نسبة إلى من قامت بتأسيسها الأميرة (جهة الطوشي اختيارالدين ياقوت) قرينة الملك (الطاهر يحيى بن إسماعيل الرسولي) الذي حكم خلال الفترة من( 842 ـ 850 هـ )( 1438 ـ 1446 م) واتخذ مدينة تعز عاصمة لدولته .

 

موضع المدرسة وروايات المؤرخين

 

 يرى كثير من الباحثين والمؤرخين أن موقع المدرسة الياقوتية في عدن هو ما يعرف حالياً بـ ( مسجد مذيهب ) كما تناقلت اسمه العامة من الناس محرفاً عن ( الذهيبي ) وهو العلامة البصال محمد بن احمد الذهيبي الذي دفن في حارة البصال نسبة إلى اسمه وفي التربة المحاذية للمدرسة الياقوتية نسبة إلى الأميرة الرسولية سالفة الذكر.. والظاهر أن الأميرة ( جهة الطوشي ياقوت ) أوقفت بعض الأراضي والمرافق لصالح المدارس الياقوتية والقائمين عليها من ناظر ومؤذن وإمام ومعلم وكذا تلاميذ تلك المدارس وغالبيتهم من الأيتام والفقراء ..ولاشك أن ياقوتية عدن قد حظيت بنفس الرعاية والعناية والاهتمام وكان لها نصيب من الأموال والأراضي وغيرها من الملحقات التي لا أثر لها البتة حالياً.. وفي هذا السياق يقول الباحث احمد صالح رابضة : جرت العادة أن تعهد السلطات ببناء هذه المدارس إلى متعهدين من التقاة، إلاّ أننا لم نقف على المتعهد الذي سعى في إعمار المدرسة الياقوتية في عدن حيث أغفلت المصادر الرسولية ذكره بالاسم ، لكننا نميل إلى الاعتقاد أن هذا التغاضي ربما كان من أسبابه انشغال سلطات عدن وقتذاك بمرض الطاعون الذي فتك بالمدينة عام 1438 م إلى جانب ضعف التسجيل والتوثيق, ويضيف : إذا أمعنا النظر في روايات مؤرخي القرن العاشر الهجري بشأن أوجه التسمية سنجد أن المدرسة الياقوتية في عدن انفردت بلفظة (المدرسة أو الدرسه) في المصنفات التاريخية خلواً من السمة التعريفية, وجاء في رواية ساقها المؤرخ عبدالقادر بن شيخ العيدروس المتوفي عام 1038 هـ أن الفقيه العلامة عبدالله بن محمد بن احمد بافضل ( المتوفي عام 942 هـ ) انتصب للتدريس بمسجد المدرسة في عدن، ويطالعنا أيضاً برواية أخرى مفادها أن الفقيه عبدالقادر بن عبدالله بافضل ( المتوفي عام 979 هـ ) كان قائماً بمسجد المدرسة ،، ويشير الباحث احمد رابضة إلى أن موضع المدرسة الياقوتية بعدن كانت تقوم عليه مقبرة تعرف باسم ( مجنة البزازين ) ولعلها كانت تضم رباطاً من الأربطة الصوفية التعليمية وفد إليه لفيف من العلماء والفقهاء أمثال محمد بن احمد الذهيبي البصال وعمر بن علي بن عفيف وعيسى بن محمد اليافعي ومحمد بن احمد بافضل، وأغلب الظن أن هذا الرباط تحول إلى مسجد فيما بعد ،، لم نقف على تاريخه على وجه الدقة والتحديد، وتحديداً في حارة البصال حيث قامت المدرسة الياقوتية التي تعاقب عليها مجموعة من الأئمة والفقهاء الذين تلمذ على أيدي بعضهم القاضي جمال الدين محمد بن احمد باحميش والقاضي تقي الدين عمر بن محمد اليافعي والفقيه موفق الدين علي بن عفيف الحضرمي والفقيه شرف الدين إسماعيل بن محمد الجرداني والشيخ جمال الدين محمد بن احمد بافضل .

دليلان على الموضع

وكما يفيد المؤرخون أنه حينما امتدت سلطة الطاهريين إلى عدن تم تعيين القاضي محمد بن احمد باحميش الذي قدم من حضرموت عام 816 هـ تقريباً ، وسكن حارة (البصال) في القضاء الأكبر ، وصار قاضي القضاة وظل كذلك حتى مماته عام 862 هـ ، ومن هنا يظهر بجلاء أن الفقيه المحدث العلامة الشهيد علي محمد باحميش المتوفي في السبعينات من القرن الماضي بحادث مروري مفتعل وهو جالس أمام باب بيته بعدن يضرب بأصوله إلى أعقاب قاضي القضاة الأسبق .. وهذا الدليل أحق أن يرجح ويجعلنا نجزم في الاعتقاد أن المدرسة الياقوتية كانت قائمة بالفعل في حارة البصال إذ أن ذرية باحميش تقطن هذه الحارة ، وللشيخ الشهيد علي باحميش ـ طيب الله ثراه ـ أعقاب فيها ، وهذا هو الدليل الأول.. أما الدليل الثاني أن العلامة البصال محمد الذهيبي المتوفي بعد عام 745هـ/ 1344م ( الذي حملت الحارة اسمه ) دفن في التربة المحاذية للمدرسة والتي تضم بين جنباتها كبار العلماء والفقهاء ومنهم الإمام باحميش والقاضي عيسى اليافعي.. وكانت هذه التربة تعرف فيما سبق بـ ( تربة البزازين ) وهي المحاذية للمدرسة أو التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ منها،، وقد تداول المؤرخون أسماء أخرى عُرفت بها المدرسة وهو مسجد ( الدرسة ) ومنهم عبدالقادر العيدروس المتوفي عام 1038هـ / 1626م الذي ذكر في ترجمته للعلامة عبدالقادر بافضل أنه كان قائماً بوظيفة مسجد الدرسة (وجه من وجوه التسمية).

ياقوتية عدن تشبه أشرفية تعز وعامرية رداع

يذكر المؤرخون والباحثون أن تغييرات شاملة طرأت على المدرسة الياقوتية (المسجد) في عدن دون الاستناد إلى آراء المختصين ، فتعاقبت عليها معاول الهدم وأيدي البناء دون مقاييس ومعايير علمية حيث طمست أصولها الأولى كليةً واستبدلت بمبان غيّرت معالمها وملامحها نهائياً وأكلت أجزاء كبيرة من مساحتها ، ولو ظلت هذه المدرسة قائمه إلى عهدنا الحاضر لكانت شبيهة ومنافسة لمسجدي و مدرستي الأشرفية الكبرى في مدينة تعز والعامرية بمدينة رداع اللتين ما تزالا قائمتان إلى يومنا هذا وتنالان الاهتمام اللازم.. ويضيفون: إن المدرسة الياقوتية في عدن (مسجد مذيهب حالياً ) وملحقها مدرسة الفاروق التي تأسست في 27 رجب 1415هـ م 29 ديسمبر 1995م بنظر الأستاذ أمين سعيد با وزير قد تغيرت وتبدلت واتخذت لها نمطاً حديثاً آخراً لا صلة له البتة بالنموذج التاريخي القديم مثلها مثل سائر المآثر التاريخية والتي أصبح كثير منها أثراً بعد عين بفعل ما طرأ عليها من تغيير في البناء والعمران إبان حكم الإنجليز، وبفعل ضعف العناية والرعاية لما بقي من مآثر شاخصة بعد الجلاء ونيل الاستقلال عن التاج البريطاني وانشغال الحكومات المتعاقبة في عدن بتثبيت أنظمتها وتجذير سياستها، وزاد الطين بلة ما حصل في أعقاب حرب صيف عام 1994م.

معالم طالها الإهمال والنسيان

 إن عدن بالتأكيد تضرب بجذورها إلى القدم وفي عمق التاريخ ،، وينبغي على الباحثين والمهتمين المزيد من البحث والتقصي عن مآثرها ومعالمها التي انمحت أصولها واختلفت ملامحها واتخذت لها مسميات أخرى وطالها الإهمال والنسيان، ولم تحصل على حظ وافر من العناية والرعاية اللازمة ما جعلها عرضة للتلاشي والاندثار كما هو حال المدرسة الياقوتية .

 

* الجمهورية