*- شبوة برس - المحامي جسار فاروق مكاوي
في كل محطة سياسية، ومع كل خطوة يخطوها المجلس الانتقالي الجنوبي نحو ترسيخ حضور مؤسسات الدولة الجنوبية، تتجدد حملات الجدل حول قضايا تمثيلية، وكأنها تُستخدم أداةً لحصر المجلس في زوايا ضيقة تُعيقه عن استكمال مشروعه السياسي. وآخر هذه القضايا ما أثير حول تمثيل عدن في مجلس الشيوخ، وهي قضية تستحق النقاش، لكن ليس بمنطق التصعيد والاستقطاب، بل بمنهجية تحقق الإنصاف السياسي والإداري دون أن تُصبح وسيلة لإضعاف المجلس أو استنزافه في معارك جانبية.
* أولًا: عدن بين حق التمثيل ومغالطات التوظيف السياسي
✅ من حيث المبدأ، لا خلاف على أن عدن، باعتبارها المركز السياسي والاقتصادي الأهم، يجب أن تكون ممثلة بوزنٍ يعكس دورها التاريخي، وحجمها الديمغرافي، ومكانتها المدنية.
✅ لكن المعضلة ليست فقط في التمثيل، بل في أن أي نقاش حوله يتحوّل بسرعة إلى وقود لمواجهات إعلامية تضر أكثر مما تُصلح، حيث يتم تصوير الأمر وكأنه صراع بين "المدينة والريف"، أو كأن هناك نية مبيّتة لإقصاء عدن، وهو طرح خطير يُفتعل في كل محطة سياسية حساسة.
✅ الأخطر من ذلك أن هذه النزعة التصادمية تأتي كلما أقدم المجلس على خطوة سياسية أو إدارية جديدة، مما يثير تساؤلات مشروعة: هل المسألة خلاف موضوعي، أم أنها جزء من محاولات تقويض أي تقدم للمجلس في بناء مؤسسات الدولة؟
* ثانيًا: استغلال الخلافات لتضييق الخناق على الانتقالي
لا يمكن إنكار أن هناك أطرافًا، داخلية وخارجية، تُغذي حالة الانقسام كلما اقترب المجلس الانتقالي الجنوبي من تحقيق خطوات ملموسة على الأرض، مستغلةً حساسيات الماضي أو إعادة إنتاج مظلوميات تاريخية لمواجهة الحاضر.
هذه الأطراف تُعيد تدوير نفس الإشكاليات، لكن في سياقات مختلفة:
حين يتم اتخاذ قرارات سيادية، يُقال إن الانتقالي يستأثر بالقرار دون توافق.
وحين يسعى المجلس لإشراك مختلف المناطق والمكونات، يُقال إن عدن تتعرض للتهميش.
وعندما يتم اتخاذ أي إجراءات تنظيمية جديدة، تبدأ حملات التشكيك والمزايدات وكأن المطلوب هو إبقاء المجلس في حالة استنزاف دائمة.
هذا النهج في الطرح لا يخدم عدن، بل يخدم خصوم المشروع الجنوبي الذين يسعون لضرب المجلس من الداخل بإثارة قضايا تمثيلية مع كل تحرك سياسي مهم، بحيث يجد نفسه مشغولًا بإطفاء الحرائق الإعلامية بدلًا من استكمال بناء المؤسسات.
* ثالثًا: معالجة التمثيل بمنطق الدولة لا بمنطق المزايدات
✔️ النقاش حول التمثيل العدني يجب أن يكون داخل الأطر القانونية والمؤسسية، وليس عبر سجالات إعلامية تُحوّله إلى معركة مفتعلة.
✔️ من الضروري تطوير معايير موضوعية تضمن تمثيلًا يعكس طبيعة عدن كدور ريادي وليس كحصة تفاوضية، دون أن يُستخدم هذا الملف لإرباك المشهد السياسي الجنوبي.
✔️ بناء الدولة ليس عملية مثالية خالية من التحديات، لكن الخلافات يجب أن تكون في سياق تطوير المؤسسات، لا في سياق عرقلتها.
خلاصة القول:
عدن تستحق تمثيلًا يليق بها، لكن القضية أكبر من مجرد عدد مقاعد أو أسماء معيّنة. المطلوب هو نقاش جاد ومسؤول يحقق العدالة دون أن يُحوّل المسألة إلى ذريعة لاستهداف المجلس الانتقالي الجنوبي أو تفكيك جبهته الداخلية. يجب أن يكون واضحًا أن أي خلاف غير مبرر حول هذه القضية يخدم أجندات لا تريد للمجلس أن ينجح، ولا للجنوب أن يستقر.
*- كتب: المحامي/جسار فاروق مكاوي .
عدن بتاريخ:(31مارس2025م) .