السعودية تعيد تقييم مستوى طموحاتها وجدوى بعض المشاريع في رؤية 2030
دون إصلاحات كبرى في نظام الرفاه وتحسينات هيكلية جوهرية في نظام التعليم، يظل السعوديون مرتهنين بالإنفاق الحكومي وعائدات النفط.
*- شبوة برس – العرب الرياض
تتعامل بحذر مع مثل هذه المشاريع الضخمة
الرياض – تدخل السعودية المرحلة النهائية من مبادرة التحول الاقتصادي لرؤية 2030، لكن من دون أن تحافظ على السقف المرتفع الذي بدأت به، إذ من المتوقع أن تواصل تقليص الاستثمار في المشاريع العملاقة الأقل جدوى في ضوء اعتراف رسمي بصعوبة تحقيق تلك الخطط وضرورة الإنفاق على مشاريع ذات مردودية مع تراجع عائدات النفط الممول الأساسي لما يصفه السعوديون بالمشاريع العملاقة.
ومع بقاء خمس سنوات فقط على الموعد النهائي لرؤية 2030، بدأت المملكة بتقليص خططها، في وقت تشير فيه إلى أن التقليص سيطال أحد أكبر المشاريع التي راهنت عليها الرياض، أي مشروع نيوم. وخفضت المملكة بالفعل طموحاتها الأولية لنيوم، وهي مدينة ضخمة مخطط لها في الشمال الغربي. وكان من المقرر في الأصل أن تحتضن ملايين الأشخاص، ومن المرجح الآن أن تستوعب بضعة آلاف فقط بحلول 2030.
مع تواصل غموض الاقتصاد العالمي ستتخذ المملكة نهجا أكثر حذرا على الصعيد التنموي، مع التركيز على الفوائد القريبة بدلا من المشاريع الطموحة ولكن غير المؤكدة
ونظرا لارتفاع تكاليف البناء والمخاوف بشأن جدوى تحقيق هذا الهدف السكاني بحلول الموعد المحدد، أفادت بلومبيرغ وصحيفة وول ستريت جورنال بأن نطاق المشروع قد انخفض بشكل كبير ليصبح قابلا للإدارة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من مشاريع تطوير المنتجعات واسعة النطاق التي تهدف إلى تعزيز السياحة على طول ساحل البحر الأحمر إما تباطأت أو لم تنطلق بعد.
ويعترف المسؤولون السعوديون بالتراجع عن هذه الخطط وصعوبة تنفيذها والتأقلم مع مشكلة العائدات.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان قبل عام مفسّرا هذا التراجع “هناك تحديات… ليس لدينا غرور، سنغير المسار، سنتأقلم، سنوسع بعض المشروعات، سنقلص حجم بعض المشروعات، وسنسرع وتيرة بعض المشروعات.”
وتواجه السعودية إلى جانب المشاريع العملاقة تحديات في الحد من البطالة وجذب الاستثمار الأجنبي.
وكان الاستثمار الأجنبي المباشر بطيئا أيضا، حيث أعاقته المخاطر الأمنية والمخاوف بشأن شفافية القضاء والتشكك في جدوى المشاريع الكبرى. ونتيجة لذلك لا تزال عدة مشاريع كبرى، بما في ذلك نيوم، تعتمد بشكل شبه كامل على تمويل صندوق الاستثمارات العامة، بالتزامن مع تردد المستثمرين الخارجيين.
وقال تقرير أعده مركز ستراتفور إن الحكومة السعودية تسعى إلى خفض معدل البطالة الوطني إلى 7 في المئة بحلول 2030، إلا أنها تكافح للحفاظ على مستويات أقل من 8 في المئة لسنوات.
واعتبارا من الثلاثي الثالث من عام 2024 بلغت نسبة بطالة المواطنين السعوديين 7.8 في المئة، ويعزى ذلك أساسا إلى استمرار بطالة الشباب وتردد المواطنين في العمل في القطاع الخاص، حيث يمكن أن تكون ظروف العمل أكثر صعوبة والمزايا أقل سخاء مقارنة بما توفره الوظائف الحكومية.
كما لا يزال نظام التعليم في البلاد يمثل عقبة، حيث يتدنى أداء الطلاب السعوديين مقارنة بأقرانهم في الدول المتقدمة في التقييمات الدولية، بينما يشير أصحاب العمل في الكثير من الأحيان إلى فجوات في مهارات القوى العاملة في القطاع الخاص لدى العمال السعوديين.
وأبرزت دراسة أجراها معهد سيركو العالمي أن أكثر من 83 في المئة من موظفي القطاعين المالي والتأميني في المملكة هم مواطنون سعوديون، في حين أن تمثيلهم في المهن اليدوية أقل بكثير. وأشار التقرير أيضا إلى أن ثلثي العمال السعوديين لا يزالون يعملون في القطاع العام، وهو رقم ظل ثابتا إلى حد كبير. وارتفع عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص غير النفطي من 600 ألف عامل سنة 2011 إلى 2.4 مليون عامل اليوم.
ومن غير المرجح في المدى القريب إجراء تخفيض كبير في نظام الرعاية الاجتماعية لتسريع جهود السعْودة، وذلك بسبب الخوف من حدوث رد فعل محلي محتمل، ما قد يُحمّل الرياض مسؤولية تزايد فاتورة الأجور العامة.
التقليص سيطال أحد أكبر المشاريع التي راهنت عليها الرياض، أي مشروع نيوم، وخفضت المملكة بالفعل طموحاتها الأولية للمشروع
ويشير تقرير ستراتفور إلى أنه دون إصلاحات كبرى في نظام الرفاه وتحسينات هيكلية جوهرية في نظام التعليم، يصبح من المرجح أن يظل السعوديون متأخرين عن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تنمية المهارات، ما يحد من قدرتهم على تحويل اقتصادهم بعيدا عن الاعتماد على الإنفاق الحكومي وعائدات النفط.
ومن المتوقع أن تواصل السعودية تقليص مشاريع التنمية عالية المخاطر خلال السنوات القادمة، حيث تعيد تقييم جدوى مشاريعها العملاقة وأجندة رؤية 2030 الأوسع. ومن المرجح أن تركز الرياض أكثر على المراكز الاقتصادية القائمة بدلا من محاولة إنشاء أخرى جديدة.
ومع تواصل الغموض الاقتصادي العالمي من المحتمل أن تتخذ المملكة نهجا أكثر حذرا على الصعيد التنموي، مع التركيز على الفوائد القريبة بدلا من المشاريع الطموحة ولكن غير المؤكدة.
ونتيجة لذلك من المتوقع إجراء المزيد من التخفيضات في مشاريع مثل نيوم ومنتجعات البحر الأحمر، والتركيز بشكل أكبر على تعزيز المدن القائمة مثل الدمام وجدة ومكة والمدينة والرياض، والاهتمام بمجالات السياحة والتكنولوجيا والتمويل لدعم الاقتصاد.
ويبقى الأمر مرتهنا باتجاهات أسعار النفط، فتراجعها يؤدي إلى المزيد من التخفيضات في المشاريع التي تُعتبر غير مجدية، في حين أن ارتفاعها قد يشجع على تجدد الاهتمام بالمبادرات الطموحة.