الأمير محمد علي يعود إلى مصر بلا طموحات سياسية.
*- شبوة برس - العرب
الغربة قاسية
بعد سنوات الغربة الطويلة التي قضاها في أوروبا يقرر الأمير محمد علي حفيد الملك فاروق العودة إلى أرض مصر دون أن تكون له أهداف سياسية أو نوايا استعادة عرش زال من زمان بل يريد فقط في نطاق المصالحة التي أبداها الشباب المصري والحفاظ على إرث عائلته الثقافي.
القاهرة - في خطوة جريئة ومفاجئة، قرر الأمير محمد علي، الابن الأكبر للملك فؤاد الثاني آخر ملوك مصر، أن يترك حياة الرفاهية التي عاشها في باريس ويحقق حلمه بالعودة إلى وطنه الأم، مصر، التي حكمها جده الملك فاروق. قرار العودة لم يكن مجرد قرار شخصي، بل كان بمثابة خطوة لإحياء إرث عائلته الملكية، واستعادة جزء من التاريخ الذي فقدته عائلته بعد انقلاب 1952 الذي أنهى حكم الملكية في مصر.
وعبر محمد علي، البالغ من العمر 46 عامًا، عن سعادته لعودته إلى “الوطن المستعاد”، وهو تعبير يحمل في طياته الكثير من الأمل والتفاؤل، حيث قال، “أنا سعيد بوجودي في مصر مرة أخرى، الوطن الذي تركته عائلتي بعد انقلاب عسكري في عام 1952، والذي وضع حداً لأكثر من قرن من الملكية في مصر.” وأضاف قائلاً، “بالنسبة لبعض المصريين، تمثل عودتي شكلاً من أشكال المصالحة التاريخية بين مصر الملكية والجمهورية،” مشيرًا إلى أنه لا يملك أي طموحات سياسية، وإنما يسعى إلى الحفاظ على إرث عائلته.
كان محمد علي قد أمضى معظم سنوات حياته في فرنسا بعيدًا عن الأضواء، لكنه قرر العودة إلى مصر بمساعدة زوجته، الأميرة نوال ظاهر، التي تنحدر من الأسرة الملكية الأفغانية المخلوعة. وقد شجعته زوجته على اتخاذ هذه الخطوة، حيث قالت له، “الوقت حان للعودة، لنعيش في الشرق، وليتعرف أطفالنا على جذورهم الحقيقية قدر الإمكان.”
الأمير محمد علي يهدف من عودته إلى الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي لعائلته ونقله إلى الأجيال القادمة
وُلد الأمير محمد علي في القاهرة في 5 فبراير 1979، في ظل ظروف خاصة، حيث كانت والدته، الملكة فضيلة، قد حصلت على إذن استثنائي من الرئيس المصري الراحل أنور السادات لتعود إلى مصر وتضع مولودها الأول. في تلك الفترة، كانت عائلة محمد علي في المنفى، حيث تم تجريدهم من الجنسية المصرية بعد الثورة التي أطاحت بالملكية.
ورغم أن محمد علي وُلد في القاهرة، فقد كان عليه الانتظار لعدة سنوات قبل أن يحصل على جواز سفر مصري في عام 2020. هذه المعاناة تعكس مدى التحديات التي واجهتها العائلة الملكية بعد الإطاحة بها، فقد تم حرمانهم من العديد من الحقوق التي تمتع بها المواطنون العاديون في مصر. وحكى محمد علي عن هذه الصدمة قائلاً، “كانت صدمة لي عندما أخبرني الموظف المصري أنني لست مصريًا وأن عليّ إثبات أن والدي مصري.” أضاف ضاحكًا: “أصبحت أول ذكر من الفرع المباشر للعائلة الملكية يعود إلى مصر بعد سنوات من المنفى.”
ويعتبر الأمير محمد علي أن عودته إلى مصر تمثل نوعًا من المصالحة مع التاريخ، حيث قال: “ولد ملكًا، ولكن فقد مملكته وعرشه. بالنسبة له، كانت مصر وطنًا مفقودًا، أما بالنسبة لي، فهي وطن مستعاد.” هذه الكلمات تعكس الشعور العميق بالعودة إلى الأرض التي فقدتها عائلته منذ عقود.
في الماضي، كان الملك فؤاد الثاني قد اعتلى عرش مصر وهو في سن صغيرة جدًا، حيث كان في السابعة من عمره عندما أصبح ملكًا، لكن حكمه كان قصيرًا جدًا بسبب الإطاحة بالنظام الملكي في عام 1953. ورغم أنه كان ملكًا، لم يكن لديه شهادة ميلاد رسمية تثبت جنسيته المصرية، وهو ما تسبب في العديد من التحديات لعائلته فيما بعد.
بلدي وإن جارت عزيزة
بلدي وإن جارت عزيزة
وفي السنوات الأخيرة، بدأ الشباب المصري، الذين كانوا بعيدين عن الحماسة الثورية التي صاحبت الخمسينيات، في استكشاف التاريخ الملكي لمصر، وهو ما زاد من الاهتمام بالعائلة الملكية وأدوارها في تاريخ البلاد. وقد عززت الدراما التلفزيونية، مثل مسلسل “عمارة يعقوبيان” والأفلام الوثائقية التاريخية، هذا الاهتمام، حيث كان الكثير من المصريين ينظرون إلى فترة الملكية بحنين للماضي.
وبعد سنوات من العيش في الخارج، أصبح الأمير محمد علي يملك اليوم رؤية واضحة لمستقبله في مصر. فهو لا يسعى للعودة إلى الأضواء السياسية أو لاستعادة منصب ملكي، وإنما يهدف إلى الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي لعائلته ونقله إلى الأجيال القادمة. وقال في هذا الصدد: “أريد ببساطة أن أعمل على الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي والفني للعائلة الملكية المصرية، وأعتقد أن هذا يستحق التكريم والاهتمام.” وأضاف: “إنه تاريخ يمتد لأكثر من 150 عامًا، ويجب الحفاظ عليه،” مشيرًا إلى أنه يخطط لإطلاق عدة مبادرات ثقافية في المستقبل لتحقيق هذا الهدف.
أعرب محمد علي عن سعادته الكبيرة بوجوده في القاهرة الآن، حيث يعيش مع عائلته بعيدًا عن الأضواء. كما أكد أن زوجته كانت دائمًا داعمة له في هذا القرار، وأنها كانت المحفز الرئيسي له للعودة. وقال: “لقد كانت نوال هي التي دفعتني للعودة إلى هنا، وعندما قررت ذلك، شعرت أن الوقت قد حان لنعيش في مصر، ولأطفالنا أن يتعرفوا على تاريخهم.”
على الرغم من التحديات التي قد يواجهها الأمير محمد علي في مساعيه للحفاظ على إرث عائلته، إلا أن هناك حالة من التفاؤل بشأن مستقبل العائلة الملكية في مصر. يعود ذلك إلى الوعي المتزايد بين المصريين بتاريخ بلادهم، خاصة بين الشباب الذين بدأوا يتبنون رؤية أوسع للأحداث التاريخية التي شهدتها مصر.
من خلال خطواته الحالية وأهدافه المستقبلية، يسعى الأمير محمد علي إلى تقديم نموذج جديد لعلاقة العائلة الملكية بالمجتمع المصري في العصر الحديث، بعيدًا عن الطموحات السياسية، بل موجهًا نحو إحياء التاريخ والتراث الثقافييْن.