‏الإخوان انتهوا (سياسيا) لكن لم ينتهوا (فكريا)

2025-02-13 19:35

 

وهذا يعني احتمالية عودتهم لحكم مصر في حال تدمير الجيش المصري أو ضعف وتراخي السلطة الأمنية، أو عودتهم على ظهر دبابة إسرائيلية أو أمريكية مثلما حدث في سوريا..

طب ازاي دا..

خليني اشرحلك

في كل صراع يحدث بين الإخوان وخصومهم وتكون النتيجة هي (هزيمة ساحقة) يلجأون لخطط بديلة تكون متوافرة عند التنظيم، أذكر منها في حقبتي الخمسينات والستينات أن لجأوا لوسيلتين:

 

الأولى: دخلوا الأزهر بكثافة مع قرارات الرئيس عبدالناصر ببدء تدريس العلوم الدنيوية فيه، وتوسيع درجة قبوله في المجتمع، وعن طريق تلك الوسيلة اخترقوا مؤسسات الدولة لاحقا بشهادات أزهرية في القضاء والنيابة والطب والهندسة.. فكان قرار عبدالناصر بإلغاء المحاكم الشرعية سنة 1955 كأن لم يكن، فالمحاكم الشرعية عادت بقوة ولكن ليس بهذا الإسم ولكن تحت عنوان "قُضاه مدنيون" يطبقون الدستور الإسلامي وفهمهم للمادة الثانية..ثم حكموا النقابات المهنية وسيطروا عليها بشكل كامل في عصر مبارك..

 

الثانية: دخلوا الجمعيات الدينية المعترف بها من طرف الدولة كالجمعية الشرعية وأنصار السنة والشبان المسلمين..إلخ، وعن طريق تلك الجمعيات عادوا للنشاط الاجتماعي الذي كانوا عليه في أيام حسن البنا وكان سببا في زيادة شعبيتهم، 

 

وسبق في محاضرتي عن الشيخ "علي عبدالرازق" على يوتيوب أن طرحت بعض شواهد هذا السلوك وأسماء القادة الإخوان ورموزهم الذين أمروا بدخول هذه الجمعيات بكثافة..

 

الآن اختلف الوضع..فقد أضافوا لهاتين الوسيلتين "السوشال ميديا" والإنفاق عليها بسخاء، فالقنوات الفضائية صارت مُلجّمة والشيوخ مهددين إذا تحدثوا عن ضرورة تطبيق الشريعة والخلافة

 

أي أن إخوان اليوم عادوا لتكتيكات عصر عبدالناصر فعلا، لكن أضافوا لها السوشال ميديا، فصارت لهم ثلاثة قوى، الأولى كثافة دخول الأزهر ليصبح أزهر المستقبل إخواني صِرف..ومن المعلوم أن مؤسسات الدين تتشكل قياداتها وفقا لمراكز القوى فيها، وكثافة الحضور الإخواني السلفي بالأزهر هو الذي يُنشئ مراكز القوى وبالتالي التأثير في قرارات وفتاوى الأزهر تحت عباءة الدستور، ويوميا يخرج بعض الباحثين والصحفيين لكشف خلايا الإخوان داخل الأزهر ولا يجري وقف ترقياتهم وتكريمهم سوى بهذا النشاط..

 

أيضا يكثف الإخوان نشاطهم في الجمعية الشرعية وأنصار السنة، هذه طرق بديلة للالتفاف والعودة الاجتماعية، فلا حضور سياسي دون حضور اجتماعي..تلك بدهيات العمل الحزبي، فلا يوجد حزب يطمح في شعبية كبيرة دون أن يكون له حضورا اجتماعيا، ونظرا لانسداد كل أبواب العمل السياسي والاجتماعي المتاحة لهم لجأوا للأبواب المشروعة، 

 

ويقيني أن حملات إعلامية مكثقة لكشف خلايا التكفيريين بتلك الجمعيات سوف تظهر فضائح كارثية، وربما يجدوا أن من يحكم تلك الجمعيات إخواني بالأساس أو يتبنى وجهات نظر تكفيرية ومبدأ الحاكمية..

 

الوسيلة الثالثة وهي الإنترنت: فعن طريق شيوخ مشاهير في السوشال ميديا أو من يطلق عليهم بالدعاة الوهابيين الجدد، وهم كثيرون بالمئات بدأوا في اكتساح عالم اليوتيوب وفيس بوك بفيديوهات تكفيرية أشد صرامة وراديكالية من الخطاب الإخواني القديم،

 

 فالإخوان بعصر مبارك ونظرا لأنهم كانوا جزءا من النظام كانوا يداهنون نوعا ما ولا يتبنون خطاب العنف بشكل كلي..وغالبا ما كانوا يلجأون للتأويل مخافة البطش، ولم يظهروا على حقيقتهم سوى بعد يناير، الآن هؤلاء الشيوخ الجدد يتبنون خطاب الإخوان التكفيري حرفيا والمعلن بعد يناير، وكافة مبادئ جماعات العنف بالسبعينات والثمانينات والتسعينات تُنشَر دون مواربة..

 

يوجد جيل الآن لم يشهد تكتكيات وخطط الإخوان القديمة، بل لم يشهد الثورة على الإخوان سنة 2013 أو شهدها دون وعي بماهيتها التقدمية، فكان يراها مجرد صراع سياسي فحسب، 

 

هذا الجيل ينضم بكثافة الآن لجمهور شيوخ السوشال ميديا، ويتأثر بالآلة الإعلامية الضخمة لكهنة التطرف والعنف، وأعماره السنية إضافة لانتماءاته الرياضية جعلته لقمة سائغة في يد رموز التكفيريين، ليعود الخطاب الأصولي المتشدد الآن في الخلفية مدعوما بسلوك بعض المتعصبين ضد الدين الإسلامي كزكريا بطرس وسلوان موميكا وغيرهم في تعزيز وهيمنة هذه النزعة الأصولية..

 

ذلك الجيل المراهق إضافة للجمعيات الدينية والتعليم الأزهري هم الخطر القادم على مصر، وإذا لم يفيق المسئولين لحجم ذلك الخطر سوف تتعرض مصر لأزمة ربما تكون أكثر كارثية من التي مرت بها آخر 10 سنوات، 

 

ولن يقف حدود ذلك الخطر على محافظات المصريين بل سيمتد للخارج، وليس المطلوب أن يهمل المسئولون ذراعهم الأمني..لكن الذراع الفكري وقرارات التنوير والتقدمية هي الأهم..وكما أردد دائما، مثقف واحد ومبدع واحد قادر على إعادة كل هؤلاء لمكانهم الحقيقي وهو (الكهف)..!