ما الجديد الذي سيضيفه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب D. Trumb إلى المشهد السياسي اليمني وحتى العربي حينما يعيد القرار الذي كان قد اتخذه قبل نهاية ولايته الأولى (2016-2020م) بتصنيف الجماعة الحوثية كجماعة إرهابية؟
قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال لا بد من استرجاع بعض الحقائق عن الجماعة الحوثية لمعرفة ماذا يعني هذا القرار بالنسبة لها.
لقد نجحت الجماعة الحوثية من خلال ما تفعله إزاء حرب العدوان الإسرائيلي على غزة وشن هجماتها على بعض المدن والمنشآت الإسرائيلية، والتعرض لبعض الناقلات البحرية الإسرائيلية أو تلك التي يُعتَقَد أنها تقدم خدماتها لدولة إسرائيل، نجحت الحركة في أن تقدم نفسها على إنها القوة الوحيدة التي تنصر القضية الفسلطينية وتهاجم الكيان الصهيوني، بعد تحجيم حزب الله اللبناني وتحييد المليشيات العراقية الموالية لإيران، بعكس كل الجيوش المليونية العربية التي وقفت على الحياد، أو (كما يصور إعلام المليشيات التابعة لإيران) ربما سهل البعض منها مهمة إسرائيل في تدمير قطاع غزة وقتل ما يقارب الخمسين ألف طفلٍ وامرأةٍ وعجوزٍ ومقاومٍ فلسطيني وتدمير كل معلم من معالم الحياة في القطاع.
وبغض النظر عن النتيجة التي أحرزتها تلك الهجمات فإن بعدها المعنوي قد كان كبيراً خصوصاً عند العامة من المواطنين العرب الذي يجهلون حقيقة هذه الحركة ويعتبرونها هي اليمن (كل اليمن) وكم هو غرائبي وصادم للعقل والمنطق أن نسمع آلاف البسطاء العرب، وخصوصاً الفلسطينيين من ضحايا العدوان الإسرائيلي وهم يتوجهون بالتحايا والعرفان والدعاء للجماعة الحوثية لموقفها هذا، وهم لا يعلمون أن الحوثيين، لم يقتلوا جندياً إسرائيلياً واحداً بينما قتلوا من اليمنيين أكثر من عشرات الآلاف ومثلهم من ضحايا الحرب من أنصارهم، وأن عنصريتهم لا تختلف كثيراً عن عنصرية النظام الإسرائيلي، إلا في أمرٍ واحد وهو أن القوات الإسرائيلية لم تقتل من بني جنسها ودينها أحداً ولو كان معادياً للآيديولوجية العنصرية الصهيونية ، بينما كل ضحايا الحركة الحوثية هم من أبناء بلدها وجنسيتها ودينها، وهذا ما لا يعلمه كل المنبهرين بالموقف الحوثي من بسطاء المواطنين الفلسطينيين والعرب.
ومن هذا المنطلق فإن قرار الرئيس الأمريكي بإعادة تصنيف الجماعة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لا يعني لهذه الجماعة شيئاً بل إنه يزيدها فخراً وتباهياً عندما يكون القرار صادراً من رئيس أمريكيٍ معروفٍ بتطرفه في نصرة النزعة العنصرية الإسرائيلية واستعداده لمنح الدولة الصهيونية كل ما تبتغيه من التأييد والدعم في تصفية القضية الفلسطينية وسحق الشعب الفلسطيني، وعلينا أن لا ننسى أن ترامب هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي نفذ وعده بالاعتراف بالقدس عاصمةً للدولة الصهيونية.
أما الأضرار التي قد يتركها قرار ترامب هذاعلى الاقتصاد اليمني (في مناطق هيمنة الجماعة، وهي لا شك محدودةٌ جداً وربما منعدمةٌ)، فإنها لا تعني الحوثيين في شيء، لأن الجماعة نفسها تلحق بالحياة المعيشية والمادية لمواطنيها من الأضرار أكثر مما يمكن أن تتسبب به أية عقوبات أمريكية تجاه الجماعة؟.
إن هزيمة الجماعة الحوثية لن تتم بقرارات أمريكية ولا حتى قرارات المنظمات الدولية التي تمتلك صلاحيات التدخل في اليمن بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي تخضع له اليمن، وأجدني هنا متفقاً مع ما أدلى به الزميل النائب البرلماني د. شوقي القاضي حينما قال "إن الأولوية يجب أن تتركز على القيام بخطوات عسكرية عاجلة لتحرير المناطق اليمنية من قبضة الحوثيين، بدلاً من الاكتفاء بالقرارات الدولية".
لكن يبدو لي أن الزميل الدكتور القاضي قد نسيَ أن الجيش المطلوب منه اتخاذ "الخطوات العسكرية العاجلة" هو من سلَّم كل المحافظات الشمالية لهذه الجماعة، واختتمها بتسليم محافظات الجوف والبيضاء ومأرب، بعد أن كان أهل هذه المناطق قد دافعها عنها أو حرروا بعض مديرياتها بأنفسهم قبل تدخل جيش علي محسن والمقدشي الذي قدم هذه المناطق هدية مجانية للحوثيين، لكي ينتقل لاحتلال نقطة قرن الكلاسي بمديرية شقرة في محافظة أبين، . . ثمَّ هل نسينا أن فرضة نهم التي لم تكن تبعد عن مقر إقامة مهدي المشاط ومحمد علي الحوثي، سوى ثلاثين كيلو متراً كانت تحت سيطرة القوات المطلوب منها اتخاذ "خطوات عسكرية عاجلة" بينما كان يمكنها (أي قوات الشرعية) وبعدد محدود من القذائف المدفعية أن تسقط العاصمة صنعاء، قبل أن تسلم تلك النقطة الاستراتيجية للجماعة الحوثية بلا حرب وبلا مقاومة؟؟!!
الرئيس الأمريكي السابع والأربعين دونالد ترامب، لن يعيد (الشرعية اليمنية) إلى العاصمة صنعاء، وبالتأكيد لن يقدم شيئا للقضية الجنوبية بما لها من مشروعية واحقية ، لأنه لا يهمه من يحكم صنعاء أو عدن، بقدر ما يهمه العائد المالي والتجاري من مواقفه السياسية، فهو ممثل ما يمكن تسميته بـ"الإمبريالية الرقمية" أي إنه تاجر يبحث عن الربح في السياسة والعسكرة وفي كل ما يصلح للمتاجرة، ويأتي في هذا السياق الاستثمار في توظيف الذكاء الاصطناعي في جميع السياسات النبيلة والقذرة على حدٍ سواء، أما تصنيفه للجماعة الحوثية كجماعة إرهابية فهو يأتي في إطار الصراع مع إيران وما تبقى من أذرعها العسكرية في المنطقة وهو في كل الأحوال صراع الأشرار فيما بينهم وليس صراعاً بين الخير والشر، والرهان على إمكانية إعادة السلطة لمن فشل في الدفاع عنها، وولى هارباً حينما حانت لحظة المواجهة هو رهان في غير محله.
ويمكنني هنا الإشارة إلى أن الإفراط في انتظار نتائج إيجابية من السياسات الأمريكية في ظل رئاسة ترامب في ضوء موقفه من الجماعة الحوثية، قد يتحول إلى خيبات وإحباطات حينما تنكشف الحقائق ويتجلى للجميع أن أمريكا لم تكن يوما نصيراً للحق وأصحابه أو عدواً للباطل وأصحابه، بقدر ما هي نصيرٌ لمصالحها، عدوٌ لمن لا يمتثل لسياساتها.
وللحديث بقية