من الطبيعي ان نشاهد اليوم ظهوراً ملفتاً لحركات الاسلام السياسي في الحياة السياسية ، بعد غياب او بالاصح تغييب متعمد طال تلك الحركات التي تعتبر جزء من أي مجتمع عربي وإسلامي .
وكنتيجة طبيعية للكبت الذي مورس بحق الحركات الاسلامية ، وجدت الدول العربية وحتى الغربية نفسها امام تحول بعض منتسبي تلك الحركات، إلى النهج المسلح بعد ان استغلته إيادي تستخدم النهج المسلح كسلم للوصول الى اهدافها الخاصة ،التي يغلب عليها طابع الابتزاز وجني الاموال والوصول الى الحكم .
وبعيداً عما حدث مع تلك الحركات في بلدان عربية ، فإن وضعنا في الجنوب يختلف عن كل ذلك ، حيث نعيش مرحلة استشنائية وثورية يجب ان تلتئم فيها شرائح الجنوب السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية لمواجهة الطمس الذي يعم الجميع ويستهدف كل فئات وشرائح المجتمع الجنوبي ويحقق الانتصار الثوري الهادف الى استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.
وكون حركات الاسلام السياسي حوربت في الجنوب إبان مرحلة الحزب الواحد ، مثلما حوربت في البلدان الاخرى ، فإن ظهورها اليوم في الجنوبي يعطيها الحق الكامل في ممارسة السياسة على اساس الحرية والسلم والاعتدال ، لما من شأنه تشكيل تكاملاً للنسيج السياسي الجنوبي ، والموازي لعمل حركات واحزاب اليسار ، حيث من المفترض ان يكون هناك توازنات على الساحة السياسية الديمقراطية الجنوبية بعيداً عن التطرف والغلو سواء في حركات واحزاب اليمين او احزاب اليسار .
ومن الطبيعي ان يتكون المجتمع الجنوبي من عدة توجهات وحركات وأحزاب تفرزها الساحة الجنوبية كنتاج لديمقراطية المجتمع الثقافي والسياسي وحتى الاجتماعي الذي يحمل عادة خصوصيات لا يمكن تجاوزها .
كما ان التغيرات التي حدثت مؤخراً بشكلها العام والخاص فرضت واقعاً جديداً مع دخول حركات الاسلام السياسي معترك السياسية الواعية بعيداً عن لغة السلاح والارهاب وفرض أي ايدلوجيات او افكار بالقوة على الاطراف الاخرى ، وبات من الواجب علينا ، وخاصة في " الجنوب " ان نتقبل ذلك الواقع مثلما هو في اللحظة الراهنة بعيداً عن شطحات الماضي البغيض وتناقضات عهد الحزب الواحد واللا تعددية السياسية .
ولا ننسى هنا ان نؤكد ان ظهور حركات الاسلام السياسي الجنوبية التواقة لتحرير واستقلال الجنوب واستعاد دولة وخاصة مع اشتعال الثورة الجنوبية التحررية السلمية قد شكل دعماً للثورة ورافداً قوياً لها ، بل انها باتت صمام الأمان للثورة الجنوبية وليس العكس كما يروج بعض المأزومين والمتعلمنين حد السذاجة .
وعلى الذين يتخوفون من بعض التحركات لفئات متشددة تدعي صلتها وانفرادها بالاسلام السياسي كتنظيم القاعدة او حزب الاصلاح المتشدد ، ان يدركوا ان الجنوب بيئة طاردة لمثل تلك الافكار المتزمتة والمغالية ، فليس كل حركة اسلامية سياسية لها ارتباطات بأحزاب الارهاب التي يقودها شخصيات معروفة ولها تأريخ من الارهاب والنهب والفساد .
لأن هناك حركات اسلامية سياسية تختلف جذريا مع التشدد والتسلق للوصول الى كرسي الحكم بإسم الدين والاسلام .
وبعيداً عن الصراع بين جناحي التطرف والاعتدال ، اللذان شهدتهما مراحل ماضية ، وأدت الى بروز الارهاب والانفلات المقابل ، يجب ان يكون الجنوب ساحة لوعي سياسي ديمقراطي تغلب فيه مصلحة الوطن الجنوبي والمجتمع على كل ما عداه ، ويمارس الجميع سياساتهم من منطلق الافضل والتنافس الشريف لخدمة المواطن وبناء وتطوير الوطن المنهك الذي لا يزال يرزح تحت أسوى احتلال عسكري وسياسي وقبلي عرفته البشرية .
وقبل كل ذلك يجب ان تتضافر الججهود لمواصلة المسير واستكمال مراحل الثورة الجنوبية التحررية بتلاحم جنوبي شامل وقوي ينال استحقاق تأريخي متمثل بتحرير واستقلال دولة الجنوب المحتل ، ويفوز بشرف صنع دولة جنوبية جديدة ، يتطلع اليها شباب وجيل الجنوب في صنع الامن والاستقرار وإعلاء شأن الانسان الجنوبي والحفاظ على هويته وكرامته قبل أي شيء آخر .