الوطن هو الملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا
الوطن هو الحضن الدافئ والملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا، والبيت الكبير الذي يجمع الأهل والأحبة أحياء وأمواتا، إذ نولد فيه ونتربى ونترعرع ونكبر في كنفه ونتمنى أن نموت وندفن فيه، لأننا من دون وطن ننتمي إليه مثل الطيور بلا أعشاش وأوكار تأوي إليها.
الو طن هو ذكريات الصبا، الوطن هو شعور يحتل كل خلية من أجسادنا، إحساس عميق يجعل من المستحيل أن نتخلى عن وطننا أو ننساه أو ننسلخ منه، خاصة إذا كان يحمل ذكريات كثيرة ومشاعر فياضة تثير تفكيرنا وتحرك وجداننا وضمائرنا، إنه من أهم الأشياء الجميلة والرائعة التي تميزنا، لذلك نجد العديد من البشر حول العالم يحتفظون بالوطن بداخل قلوبهم، وهذا ما نراه بوضوح في المواطن الذين تم تهجيره من وطنه قسرا إلا أنه بالرغم من ذلك مازال يحتفظ بوطنه في داخله !!
لهذا نقول أننا صادقون في حب وطننا ونحبه حبا خالصا، وليس ادعاء للحصول على مطامعنا الشخصية أو سبيلا لنيل أهدافنا الذاتية، فنحن نحبه من دون رفع الشعارات الجوفاء التي ظاهرها الولاء والحب وباطنها حاجات في نفس يعقوب، ولا يعني حب الوطن السكوت على ظلم الأنظمة السياسية الحاكمة، كما أن المطالبة بالحقوق ليست مؤامرة على الوطن وخيانته، والتطبيل والتضليل أيضا لا يعني الوفاء والإخلاص للوطن، وحبنا لوطننا لا يمنعنا من إدراك أنه يدار لحساب نخبة وليس لحساب عامة المواطنين.
ويبقى حب الوطن خير معين على استمرار جذوة الوطنية متوقدة، وهو من أهم الأسباب التي تجعلنا مصرين على حقنا في حياة كريمة، فلا وطن بدون وطنية حقيقية قائمة بذاتها، والشعب الذي لا يمتلك هذه الوطنية لا يساوي حتى قطيع الغنم في تماسكه وقوته.
إن حبنا للوطن لا يجعلنا ننفي أننا ضحية الحكومات المتعاقبة والفاسدة ، لكننا في نفس الوقت لا نحمل جميع مظاهر فساد الوطن لأهل القرار فيه ولأهوائهم ونزواتهم، فنحن أيضا نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في ذلك، فبصمتنا الدائم وخوفنا من التغيير أصبحنا ضحايا أصحاب السلطة الذين يزيدون اغتناء ولا يقدمون لنا سوى النفاق السياسي عبر وعودهم التي لا تتعدى أن تكون مجرد أكاذيب وادعاءات باطلة، أجل نقولها بمليء الفم يجب كشف خبث الفاسدين مهما علت درجاتهم في سلم المسؤولية ومهما كانت مناصبهم عالية في وطننا، والحق يعلو ولا يعلى عليه، ويجب أن نقول الحق ولو كان مرا، إن المتسلطون في وطننا أكثر الناس سعيا إلى خنق الحريات العامة وتكبيل الكلمة الشجاعة، وتكميم الأفواه التي تنطق بالحق، والتضييق على الحرف الثائر الذي يظهر الحقيقة، ومحاصرة الرأي الحر والتعتيم عليه، وسلب واغتصاب الطموحات المبنية على أساس شريف ونزيه، لقد أصبحنا في وطننا نحاكم بالوجاهة والنفوذ والأموال، ولم نعد جميعا متساويين بكرامتنا وإنسانيتنا ، ولكن مهما قاسينا فيه سنبقى أبد الدهر وسنظل نكذب على أنفسنا كل ليلة ونقول بأننا سننام مرتاحي البال، لكن هموم وطننا توجعنا وتشطرنا وتبعثرنا هنا وهناك، ترى من سيعيد لوطننا البهاء والعزة؟ والتاريخ لا يرحم وسيكتب يوما بأن إفراطنا في حبنا للوطن جعلنا نقسو بألسنتنا وأقلامنا، لكن رغم ذلك فقساوتنا أرحم من قساوة طغيان وعناد وإصرار أصحاب القرار السياسي على الإساءة لهذا الوطن.
وخلاصة القول أوطاننا لن تتحرر من الفساد الذي نخرها على جميع المستويات ما لم تحصل فيها ثورة ثلاثية الأبعاد؛ ثورة ضد الظلم، وثورة ضد الفقر، وثورة ضد الجهل والله المستعان .
د . علوي عمر بن فريد