بالتوافق الوطني تتحصن الأهداف الوطنية الكبرى بعد أن يتم تحديد آليات وخطوات السير نحو تحقيقها؛ فالتوافق الوطني العام يمثل العنصر الرئيسي والجوهري بل والحاسم لجهة تحقيق النجاح وتأمين مسيرة الفعل الوطني الجنوبي بشقيه السياسي والإجتماعي؛ فالصعوبات والتحديات والعقبات التي تقف في طريق تحقيق تلك الأهداف؛ يتم تجاوزها بأقل قدر ممكن من الثمن المستحق دفعه وطنياً وسياسياً؛ وتقريب المسافة زمنياً للوصول بشعبنا الجنوبي إلى مبتغاه والمتمثل بإستعادة دولته الوطنية الجنوبية المستقلة؛ وبالتوافق يتم كذلك تجاوز الكثير من الإشكاليات البينية والمصاعب الداخلية التي قد تجابه الصف الوطني الجنوبي؛ أكانت تلك المتعلقة بالوضع الداخلي للجنوب وتجاذباته المختلفة؛ أو تلك المرتبطة بعوامل وتأثيرات القوى المعادية للمشروع الوطني الجنوبي.
فالتوافق الوطني القائم على القناعة الراسخة بالأهداف وعلى الصدق والوضوح؛ يجعل منه قاعدة صلبة ومتينة للتحرك إلى الأمام ويعكس بجلاء وحدة الموقف والإرادة؛ ولا يمثل ذلك آلية وطنية مثلى فقط؛ بل وهدفاً بحد ذاته بالنظر للأوضاع الإستثنائية القائمة وللإستحقاقات الجنوبية المنتظرة؛ ويترجم الخيار الوطني الحر والمسؤول والمستقل كذلك.
وهذا ما ينبغي تحقيقه وحضوره بقوة في هذه المرحلة؛ وبرأينا فقد تجسد ذلك وبصورة جلية بنجاح لقاء التشاور الوطني الجنوبي الأول؛ والذي كان ثمرة وطنية ناضجة لمسيرة الحوار الوطني الذي بادر إليه الإنتقالي وقاده بنجاح كبير؛ وشكل قاعدة إنطلاق حقيقية كبرى بإتجاه الوصول بالحوار والتواقفات الوطنية الجنوبية إلى المحطة الأخيرة والحاسمة على صعيد وحدة وتماسك جبهة الجنوب الداخلية؛ التي تسعى قوى وأطراف كثيرة لجعلها رخوة وساحة ملائمة لأنشطتها المعادية التي تستطيع من خلالها تنفيذ أجنداتها وخططها؛ ومن خلالها سعت وما زالت تسعى لإشعال حرائق الفتنة المتنقلة بين أهلنا في الجنوب وبعناوين مختلفة؛ وبوسائل دنيئة وقذرة مع ما تشنه من حرب إعلامية شرسة ومضللة ضد الجنوب وأهله؛ وتعكسها آلة الإعلام الضخمة التي تعتمد عليها تلك القوى وتسخرها لخدمة أهدافها الإجرامية في الجنوب.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة إزدياد نشاطها المحموم الهادف إلى زعزعة الثقة بين الجنوبيين؛ أملاً منها بجعل المسافات متباعدة فيما بينهم والحيلولة دون تقاربهم وتوافقهم؛ لأن في ذلك هزيمة لمشاريعها؛ وهي ماضية بالترويج للإنقسامات وإختلاق وفبركة الكثير من التسريبات التي تتعمد التسويق لها وبغباء شديد.
بل وتذهب وببؤس ويأس شديدين في محاولاتها لبث الخوف والقلق لدى مختلف القوى والأطراف الجنوبية من بعضها البعض؛ وتدعي كذباً وبعيداً عن الحقائق؛ من أن النجاحات الوطنية الجنوبية الأخيرة ليست مقبولة ومرفوضة من أطراف جنوبية أخرى؛ وبأن هذه الأطراف تعد نفسها للمواجهة ( الحاسمة ) مع بقية الجنوبيين؛ وبأن ( الشمال ) سيقف بكل قواه وقوته معهم؛ وهي لعبة مكشوفة لن تنطلي على شعبنا؛ لأنه قد تعلم الدرس جيداً ولن تمر مخططاتهم الشيطانية هذه المرة؛ ومن يقع ضحية لهذا التضليل ولا يراجع موقفه وحساباته قبل فوات الآوان؛ فقد ظلم نفسه وجنى على أهله في الجنوب.