لم نكن لو لم تكونوا، حياتنا بكم جميلة، قد لا نراكم، ولكنكم معنا في كل صغيرة وكبيرة، تحية حب وتقدير لقلوبكم الواسعة النقية، ولأرواحكم المتسامية، ولنفوسكم المعطاءة، كل يوم، كل ساعة، وكل لحظة أهدي لكم هذا المقال :
في العام 1920، وبعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الأولى، التي فقد فيها الفرنسيون مليون وأربعمائة ألف جندي؛ اكتشفت الحكومة الفرنسية أن هناك الآلاف من جثث الجنود الذين لم تستطع وزارة الدفاع التعرف على هوياتهم، إما بسبب التشوهات، أو لعدم وجود أي أوراق أو مستندات تدل على هوية الجندي المقتول، أو أن عائلته قتلت في الحرب. وعليه قررت الحكومة أن تقوم بدفن مثل هؤلاء الجنود في مقبرة جماعية، على أن يتم دفن إحدى الجثث في ضريح دون أن يشار إليه بأي من الأسماء، وسمي الضريح باسم "قبر الجندي المجهول" واختارت فرنسا أن يكون موقع القبر عند قوس النصر وسط باريس ، وخرجت عاصمة النور يوم 11 نوفمبر/ تشرين 2، عن بكرة أبيها لتحتفل بدفن جنديها المجهول الذي كتب على قبره :
"هنا يرقد جندي فرنسي، ضحى بروحه فداءً للوطن 1914-1918".
إن الوطن غال على الجميع، وتقدمه ورقيه رهن بما يقدمه كل منا، كل في مجاله، والجيل الذى أنتمى إليه، عليه مسؤولية كبرى تجاه الأجيال القادمة، وعلى كل منا أن يكون جندياً، مجهولاً أو معلوماً، يقدم القدوة، والدعم، والنصح، لمن سنترك لهم مقاليد الأمور، ويفسح لهم الطريق، ويسـاعد الواعـد منهم على تقـدم الصفـوف..
الجندي المجهول هو محارب مجهول موجود في كل مكان يكون ساحة حرب. في القضاء يوجد مجموعة من القضاة (من الرجال و النساء) من نذروا أنفسهم للحق ، و رهنوا وجودهم للعدالة و العدل و ضالتهم الحق و الحقيقة ، يحاربون الظلم و الظالمين و آكلي حقوق الناس من الضعفاء : ينشدون عدالة العالم الارضي التي يقوم بها الانسان للفصل في العداوات التي تكون بين البشر. يقومون بواجبهم المهني و الاجتماعي و الوطني و الاخلاقي و الانساني، غير خائفين و لا مستسلمين لأصحاب الجاه و السلطة و المال ، لا يخشون في تأدية واجبهم الا رب السماوات السبع .
الجندي المجهول موجود في اقسام المدرسة ، يقوم بواجبه في اشاعة النور في العقول ، و يحارب الجهل و الظلام و التعصب ، و يلقي ببذور التفكير السليم في عقول المتعلمين . انه كائن نذر نفسه أن يصنع عقولا منفتحة و متفتحة على كل اشكال التفكير الإنساني و يكون افرادا لهم نضج خلقي لا يبيع المعارف و لا المنهجيات و لا التطبيقات بالمقابل كما كان يفعل المعلمون السفسطائيون اليونانيون في عهد سقراط الحكيم وقد كان سقراط يحب أن يلقب محبا للحكمة و نذر نفسه لتعليم الناس بدون مقابل مادي وهو الفقير المعدم هو القائل « العلم فضيلة »…رغم أن علمه كان سببا في هلاكه و الحكم عليه بالإعدام سما قاتلا من بني قومه…
الجندي المجهول موجود في عالم الطب أيضا : هم أطباء بلا حدود ليس لهم ولع بالمال و السعي الى الثروة و الثراء في اقصر وقت كل سعادتهم أن يكونوا أين يجب أن يكونوا في مساعدة من يحتاج اليهم من المرضى من المعوزين و الفقراء و من العجزة الذين لا يملكون المال الكافي للتوجه الى المصحات الخاصة داخل الوطن و خارجه هم من خلق الله الذي يمد يد المساعدة عن طيب خاطر و سعة القلب بخلق واخلاق فاضلة و يتعاملون مع المرضى بتواضع الشرفاء الكرماء.
الجندي المجهول موجود في كل مكان ثروته في أخلاقه و نبله في تواضعه ، وماله في صبره على التعب و كرمه في اخلاصه لعمله لا ينتظر التفاتة من الناس و لا اعترافا بالجميل الذي قدمه عن طيب خاطر ولا ينتظر شكرا و لا مقابلا ماديا و لا معنوياـ و سعادته لا تقدر بثمن أن يرى الارتياح و الرضى في وجه الاخرين (و ان كان مفهوم السعادة مفهوما فلسفيا كبيرا اختلفت فيه آراء الفلاسفة و نظرياتهم اختلافا كبيرا) .
الى كل هؤلاء الجنود الصابرين الشجعان في كل مكان وفي كل قطاع، وإلى الكتاب والإعلاميين ورجال الصحافة الذين يسطرون معارك الحرية لشعبنا المظلوم وإلى الأحياء والشهداء منهم الذين سقطوا في ميادين الشرف وهم شم الأنوف وأقلامهم وأجسادهم تسيل دما أحمر وحبرا أسود يدافعون عن حرية الكلمة لإيصال الحقيقة لا يريدون الظهور امام الملأ ليعرفهم الناس ، و لا يعجبهم أن يكونوا كنار على علم ،مجاهدين في اسداء خدماتهم للناس، يحاربون كل في موقعه الشر و السوء و الاعتداء و الظلم و القهر والقسوة في هذا الوطن… لا يهمهم أن البعض يتنكر لهم و لا يعترف بهم … لهؤلاء نقول : سلام عليكم و سلام لكم أنتم جنود الحرية ، حبكم موطنه في قلوبنا .
وأخيرا نقول لكل شهداء الكلمة الحرة الذين دافعوا عن الحق والحقيقة فدفعوا ثمن ذلك حياتهم ، إنا على دربكم ماضون .
والى من ضحوا بأرواحهم الغالية فداء للجنوب العربي إلى من أرخصوا دمائهم للدفاع عن الدين والعرض والارض إلى من تيتم أطفالهم وترملت نسائهم وضحوا بأرواحهم لننعم بالأمن والسلام نقدم لهم تحية إجلال وتقدير وتحية وداع لهم ونقول: اللهم ارحمهم واغفرلهم وتجاوز عنهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد واجبر كسر قلوب اهلهم على فراقهم والله أكبر ولا نامت أعين الجبناء الذين غدروا بهم .
د . علوي عمر بن فريد