2-2
يشهد السودان منذ ما يزيد عن عشرة أيام تداعيات تمرد قوات التدخل السريع- شريكة الجيش السوداني عسكرياً وقائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان في حرب كسر عظم وقد جرت الأعراف أن يكون للدولة جيش وقوات مسلحة واحدة وليس جيشين.
يرفض محمد حميدتي- نائب رئيس مجلس السيادة-(نائب رئيس الدولة)-اندماج وضم قوات التدخل السريع التي يرأسها مع شقيقه، بالقوات المسلحة وقوامها 100 ألف عسكري. وهذا ما فجر الصراع!!
المعضلة لا يملك طرفا الصراع في حرب العسكر في السودان القدرة لحسم المواجهة العسكرية. ورغم كثرة الموفدين والمبعوثين الدوليين من الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وبريطانيا والنرويج- لم ينجحوا بلعب أي دور والتوسط لحل الصراع وإنهاء الحرب . والملفت تبرير دفاع قائد قوات الدعم السريع حربه على الجيش السوداني بأن قتاله هو للدفاع وحماية الديمقراطية- هذا المنطق لا يصدقه أحد وغير مقنع للشعب السوداني والقوى الكبرى التي يخاطبها. خطورة حرب العسكر في السودان يرافقها تحذيرات من نقابة أطباء السودان من انهيار القطاع الصحي، الذي كان يعاني أصلاً حتى قبل حرب العسكر المدمرة الحالية من أوضاع صعبة. ويزيد مخاوف حرب عسكر السودان برغم العلاقات الوثيقة مع دول عربية مؤثرة في المشهد السوداني للعب دور الوسيط المحايد وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحتى الاتحاد الأفريقي وتركيا، إلا أن تلك القوى من دول والمنظمات فشلت بتحقيق اختراق لوقف الحرب والتوصل لاتفاق سلام ينهي القتال المدمر.
واليوم هناك مخاوف حقيقية إذا لم يتم وضع حد للتصعيد العسكري- من حرب أهلية داخل السودان وحتى حرب إقليمية بدعم دول إقليمية عربية وحتى روسيا وقوات مرتزقة فاغنر الروسية الخاصة التي لها حضور عسكري في دول في غرب أفريقيا خاصة أن ثلث الشعب السوداني حوالي 15 مليون سوداني يعانون من فقدان الأمن الغذائي ويعتمدون على مساعدات المنظمات الدولية.
والتحدي الآن هل تنجح الوساطة؟ وهل ممكن وضع حد لحرب لا رابح فيها؟! ويبقى الخاسر الأكبر الشعب السوداني ضحية حرب العسكر!!
لم يكف أعداء الأمة أن يتمزق السودان بمساحته الشاسعة إلى قطرين، السودان الذي لو تركوه لكان مزرعة العرب، وآمال ثروتهم الزراعية والحيوانية ولكنهم مزقوه بل تعمدوا إثارة الفتن، خلقوا جهات متصارعة في المتبقي بعد انفصال الجنوب، صنع الحكام كما يحاولون في كل جزء من الخريطة أدوات الصراع، غذوهم بالقائمة الطويلة من مشاعر الضغينة بينهم، ألم يحدث في التاريخ؟ حدث !!
لا يهم من يفعلها أولا، أهو حميدتي أم البرهان؟ وإذ بحثت في كل دولة عربية ستجدهما بأسماء أخرى، وإن تجولت في تاريخنا الدموي ستجدهما تحت ألقاب أخرى، أهو التاريخ يعيد نفسه، أم إن الشعوب لا تتعلم منه؟
فهل ستكون الحركة الأولى على طاولة الشطرنج السودانية مقدمة لانشطار ثالث في الدولة الكبيرة، أم سيظهر فيها من يعي الفخ الذي وقعنا فيه؟ هل يولد سوار ذهب جديد، وتكون قوى التغيير صاحبة المشهد الأكثر ظهورا؟
متى يظهر لنا صلاح الدين؟ وهل يمكن أن يجمع أمة صارت خريطتها أشلاء دول، يبعث فينا روح الأمة الواحدة
ألا يكفي قهرنا ونحن عاجزون عن إيقاف سيل الدماء العربية؟ هل تكتمل الخطة بمحاصرة مصر؟ ، أم سيعقل من يمسكون زمام الحرب في السودان ليدركوا أننا كتلة واحدة بعدما رسموا لنا حدودنا وقسّموا وطننا دويلات بسياسة "فرّق تسد"، لم يدخل أعداؤنا علينا من حدودنا بل من عقولنا لنصبح تابعين متفرقين نقتل ونُقتل باسم الله.
ونتذكر المتنبي في قصيدته الشهيرة التي يرثي فيها حاله وما وصل إليه ويخاطب كافور الإخشيدي بقوله:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد
هذا هو حالنا في عيدنا العربي أوطاننا ممزقة وشعوبنا مفرقة وآمالنا بالوحدة ذهبت أدراج الريح.
وعلى الرغم من كل ما نمر فيه ونعيشه من مآسٍ، نصر على الفوضى بمسميات دينية !!
نحن العرب ابتلينا بالفوضى وما من أمة ابتليت بالفوضى إلا واستشرى فيها الجهل وكثر فيها الفساد وتكالبت عليها الامم.
ومن قلب الفوضى وفي خضم سعينا نحو القوة والسلطة نفقد الحرية والكرامة،
نتهم غيرنا بالوثنية وعبادة الأصنام والأوثان من عجوة وحجر ومنهم من يعبد البقر، ونحن نقدس في كل يوم الحكام والزعماء ونعبد الدولار وأصحاب رؤوس الأموال المتحكمين بالبشر.
نتقاتل في ما بيننا، ولا نعرف ما الذي يدفعنا الى الاقتتال وليس لدينا تصور بأسباب الاقتتال؟
لا نعرف ولا نسأل ما هي العوامل التي تولد في نفوسنا الرغبة في الاتحاد في الوقت عينه الذي نعيش فيه الفرقة وندعو الى الانفصال؟
نلعن في كل يوم سايكس - بيكو وما تعيشه الأمة من هوان بسبب تلك الاتفاقية ونتمسك بالحدود وندعو للشعوبية ويتعصب كل منا للإقليم الذي يعيش فيه، ويتمسك كل منا في حدود بلده الصغير ونعتبر الحدود بيننا علامات سيادة، ونرفع الرايات والأعلام التي تفرقنا ونعتز بها ونفخر.
نتساءل دوماً عن ضرورة أن تكون بلادنا متطورة وبلاداً منتجة وصناعية، ولا ننتج في أوطاننا سوى الخرافات من الجهل ونصنع من الحمقى ساسة ومشاهير ونواباً وحكاماً علينا.
نحن العرب نرى أن مصيبة غيرنا عقوبة من رب العباد سبحانه وتعالى ومصيبتنا ابتلاء من الله لحبه لنا رغم أننا أكثر الناس بعداً في معاملاتنا من تعاليم الله وكتبه السماوية وسنن ووصايا الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام.
د . علوي عمر بن فريد