طيبة الطيبة " المدينة النبوية" على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم, كانت ولاتزال من البقاع الطاهرة التي تهفو إليها القلوب قبل الأجساد ..
وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة لعلنا نقتطف منها :
عن عائشة رضي الله عنه قالت : قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله ، فقال رسول صلى الله عليه وسلم : اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وحول حماها إلى الجحفة .
صحيح البخاري 1889 / صحيح مسلم 1376
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها )
صحيح البخاري 1876 / يأرز : ينضم ويلتجئ ويجتمع .
وعندما يهل علينا شهر الصيام والقيام، وموسم الرحمة والغفران، وتجد نفسك بين حنايا المدينة المنورة، بين ظهراني أحفاد الأنصار، أولئك الذين آووا ونصروا حين عز الملجأ وانعدم النصير.
إنها طيبة الطيبة التي تتلقاك بالسماحة، والكرم الذي يتجلّى في أبها صوره في شهر رمضان وهذه موائد الرحمن تصطف بأيدي أهل الخير والإحسان، مترامية الأطراف في كل شبرٍ, من بقاع المسجد النبوي الشريف، يتسابق الخيرون على مدّها، كل يبغي احتواء الخير بين أطرافها، وعلى امتداد جنباتها!!
مازلت أشتم من هناك رائحة الرطب المدني، واللبن، والماء، وأنت داخلٌ من أي باب شئت من أبواب المسجد النبوي لابد أن تجد نفسك مجذوباً من هذه اليد، أو تلك، أو مدعواً بكلمة طيبة رقيقة من هذا الشاب، أو تجد نفسك محاطاً من شيخٍ, كبير يرجوك أن تكون في ضيافة مائدته، تستشعر أنك بين ذويك وأحبائك سماحة في الخُلق، وأدبٌ في المأكل والمشرب، وعذوبة في الحديث، ولا عجب أن يكون هذا خُلقهم وهم في جوار خير البشر..
نسائم المدينة في رمضان عبقة نديّة، يتمايل نخيل قباء عند الفجر استبشاراً وسروراً بزائريه للصلاة فيه أسوة بفعل النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم،
وفي هذه المدينة الكريمة تجد لرمضان حياةً خاصة تنطلق ابتداءً من قبل صلاة المغرب حين يخرج للإفطار في تلك الرحاب الطيبة أغلب ساكنيها.
من المعروف أن أهل المدينة ودودين يستدعون الصائمين من الزوار في الشوارع للإفطار الجماعي خلال شهر رمضان، حيث تعد تلك الليالي هي المكان الذي يكمن فيه العمل الجماعي الحقيقي، والإفطار بمثابة صمام أمان لهم من النار، وبمجرد أن يفطر الناس، تعود الشوارع للحياة مرة أخرى، بينما يقضي بعض الناس وقتًا في قراءة القرآن أو الصلاة في المسجد، يزور البعض الآخر العائلة والأصدقاء، وبالطبع يأكلون ويشربون المزيد من المشروبات الرمضانية، وفي بعض الأحيان يخرجون للشوارع للاحتفاء، وسيحدد مكان وجودك مدى احتفالك، ولكن عادة ما يكون هناك شيء ما مفرح لك يحدث، وبصفتك زائرًا فسوف تشعر بحب وود كبيرين في تلك الليالي، حيث يعد هذا وقتًا رائعًا – وامتيازًا – للخروج والتجول والتواصل، والاستمتاع بالجو ومشاركة القليل مما يجعل هذا الشهر مميزًا للغاية لأكثر من مليار شخص حول العالم .
وبعد الإفطار وعند غروب الشمس، تنبض المدينة بالأنشطة المختلفة وتعمل مراكز التسوق والفنادق بكل طاقتها، كما يتوفر الترفيه الخفيف والطعام الجيد، وجميع المساجد مضاءة، والمحلات التجارية مفتوحة طوال الليل تقريبًا، والشوارع مزينة بموضوعات رمضانية والطعام المعروض في المتاجر هو المعتاد تقديمه خاصة خلال الشهر الكريم .
فالمدينة لها نكهة مختلفة خلال الشهر الكريم، نظرًا لأن شهر رمضان يميل إلى أن يكون شهرًا دافئًا بالوصال بين الناس، لذا من الأفضل التخطيط للجدول الزمني حيث سيتم تغطية أشهر المواقع القديمة والدينية في المدينة في وقت مبكر من اليوم، تليها المتاحف التي تميل إلى الافتتاح بعد ذلك بقليل خلال شهر رمضان، مع ازدياد دفء اليوم، تجد مراكز التسوق تفتح ذراعيها لاستقبال الضيوف من كل بقاع الأرض، بالإضافة إلى وسائل الترفيه المتاحة، كما ستجد هناك أيضًا بعضًا من أفضل الحرف اليدوية المحلية والمصنعة يدويا .
مع اقتراب المساء تنبض المدينة بالحياة، و يستمتع الزوار بالتجول في شوارع المدينة العتيقة، كما تتميز أيام رمضان في المدينة المنورة بالبهجة الروحية وقربك من الله، وفي أماكن أخرى تشهد المدينة المنورة توسعة موائد رمضان في باحات المسجد النبوي، وكذلك داخل أروقة المسجد العديدة، طوال هذا الشهر الميمون، وتوجد أكشاك خارج المسجد تقدم وجبات متنوعة ومشروبات وأرز وأطباق أخرى في الساحات المحيطة بالمسجد، حيث يتجمع المصلون والزوار من ضيوف الرحمن والمصلين وبخاصة في العشر الآواخر من الشهر الفضيل، تتميز أيام رمضان في المدينة المنورة كما في أماكن أخرى في جميع أنحاء المملكة بتوزيع طاولات جيدة. وتشهد المدينة المنورة خلال هذا الشهر المبارك انتشار موائد رمضان في باحات المساجد كلها وبخاصة المسجد النبوي. الذي يتزين ويتجمل استقبالا لضيوف الرحمن .
وختاما نقول رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير .
د . علوي عمر بن فريد