أرضيتهم الفكرية والسياسية نشأت على مرحلتين:
الأولى: في زمن الاستعمار منذ ثلاثينات القرن 20م كانوا فيها حلفاء السلطة الملكية ويقومون بنشر مذهبهم دون صدام سياسي، شئ أشبه بما يقوم به حزب النور حاليا..أي وارد أن يتحول حزب النور عن مداهنته في أي وقت ويعلن شعار الخلافة كأمر مقدس إذا وجد الفرصة سانحة له بالظهور.
الثانية: بعد التحرر من الاستعمار وقيام الجمهوريات..وقتها كانت سياسة المسلمين والعرب بعد التحرر هي (محاربة الشيوعية) كما حدث بفتوى الأزهر ومرجعية النجف أن (الشيوعية كفر وإلحاد) مما أدى لاعتبار كل متدين هو حليف للسلطة الجديدة ما لم يكن منافسا لها..لذلك في مصر اعتقلوا الإخوان كمنافسين..لكن نشروا التدين السلبي غير المنافس وهؤلاء كانوا أحزاب إسلامية في المهد مع شيوخ وفقهاء أزهر ومرجعية نجف..
أتذكر أن السيد "محسن الحكيم" كبير شيعة العراق في الستينات كانت له فتوى أن "الشيوعية كفر وإلحاد" فأدى ذلك لاعتقال وقتل عشرات الآلاف من شباب العراق بتهمة الشيوعية، وهو ما حدث بمصر وقتها أيضا لكن عبدالناصر كان يسجن أكثر مما يقتل ،إنما في العراق العكس..كان قتل الشيوعيين في هذا الزمن فضيلة، وطبيعي أن يكون خصم الشيوعي (وهو المتدين البسيط والفقيه) هو البديل فخلقوا أرضية للتشدد الديني والفكر المحافظ هي التي تحولت لاحقا في عصر السادات لمطلب سياسي...
أي أن شعبية الجماعات والأحزاب الدينية (سبقت) إعلانهم كمنافسين سياسيين
فمنذ الثلاثينات كانوا يعملون بأريحية وينشرون المذهب الوهابي والأصولي بارتياح، ونشطوا جدا في الخمسينات والستينات ووصل نفوذهم لأن يرفعوا مطلب إغلاق السينما والمسرح والفن بالعموم وفرض الحجاب على النساء للرئيس عبدالناصر نفسه الذي اعترف بذلك في فيديو شهير، لكن الثقافة العامة وقتها لم تكن متأثرة بهذا النفوذ الإسلامي لظهوره بشكل سلبي ليبرالي..أي تدين أفراد وحرية في التحول ..وهو ما انتهى بعد نكسة 67 التي كانت حدثا فارقا أدى لنشر الوهابية بسرعة جدا..
مصر والعرب بعد نكسة 67 انتشرت فيهم دعوات (العودة إلى الدين) وبما أن البديل وقتها كانوا (خصوم الشيوعية) فتدين الناس على مذهب الإسلاميين الذين شعروا بالخطر الشيوعي الذي تحول لهاجس من السلطة ومؤسسات الدين معا، فتخيل يرحمك الله أن الدولة نفسها ومؤسساتها الدينية تحذر من خصم معين فيتحدان ضد هذا الخصم ..هذا ما حدث طوال فترة الخمسينات والستينات، والتاريخ يذكر أن عبدالناصر مع تقدميته السياسية لكن على المستوى الفكري كان محاربا للخلاعة والعري في الصحف..وتجلى ذلك في قانون الصحافة أوائل الستينات..أي كان الرئيس المصري يحمل فكراً محافظا..
لو أردنا التنبؤ بالمستقبل وفقا لهذا السرد فالحاضر العربي والإسلامي الآن يجمع بين قيم (الأرضية الفكرية والسياسية) منذ الثلاثينات حتى الستينات، مع قيم (المنافسة السياسية) منذ السبعينات، أي أن نفوذ الجماعات لا زال كبيرا..وظهورهم متباين حسب البلد..ففي حين يحكمون دولا معينة ويشاركون في دول أخرى ومضطهدين في عدة دول..لكن الثقافة العامة تؤمن بقيمهم الفكرية والسياسية بمطالب الخلافة والإمامة ودولة الشريعة،
مما يعني أن التحول في المستقبل سيكون لأحد أمرين ، أولا: للعلمانية بحاكم يقرر منع الشيوخ وتحجيم الإسلاميين تماما وعدم حصر لفظ إسلامي في الإخوان ليطال الأزهر وحزب النور، وقتها سينتشر الفكر المستنير ويتشجع كل صاحب رأي ويصاغ دستور جديد للدولة يعتبر فيه الدين أمرا شخصيا لا صفة للدولة، ثانيا : للشريعة بحاكم يضطهد العلمانيين والمثقفين كما حدث مع الشيوعيين من قبل، فيكون مرادف شيوعي يعني علماني في هذا الزمن ويجري إسقاط كافة فتاوى الشيوخ فيهم بالقتل والسجن..
المرحلة الحالية هي التي تحدد هوية هذا الانتقال..فكلما كان أكثرهم عقلا وهدوءا ولا يهدد السلطة سيكون التحول إليه هو الأقرب، فالمجموعات التي تحيط بالحكام الآن تكتسب فكرا وثقافة وإدراكا هو الذي سيسود بعد نهاية تلك الحقبة، ومثلما رأينا السادات ينقلب على عبدالناصر ويفتح الباب للإسلاميين ويضع الشريعة في الدستور قد يأتي المستقبل بسادات جديد يفعل ما هو ألعن..
*- "شبوة برس" من صفحة سامح عسكر باحث مصري على الفيسبوك