إن الاختلاف هو سنة الله في عباده لكن يجب أن نعلم أن الاختلاف شيء والتنافر شيء آخر, لذلك لابد أن نعلم أولادنا كيف نختلف والأدب الضابط لذلك. فلا بد أن نعلم أولادنا منذ صغرهم أدب الاختلاف وإقناعهم بأننا لا يمكن أن نسوق العالم كله لأفكارنا دون أن نعطي للطرف الآخر إبداء ما عنده وحرية التفكر والتصرف.. كما أن التركيز على هذا الأدب ضمانة أكيدة لأسرة متماسكة فالذي يخالفني في الرأي هو أخي. إننا بتعليم أولادنا هذا الأدب نجتنب نقطتين مهمتين :
1- ينشأ الطفل وهو يعلم أن كلامه ليس نهائيا إنما قابل للمناقشة والحوار ولا بد له من تقبل الآخر.
2 - اما الذي يظن أنه ضعيف بفكره يستعيض بالصراخ وربما بالقوة العضلية .
ذلك أن التواصي بالحق والصبر هو الأصل الأصيل لنبذ الخلاف. وهو تبادل الحوار، وتحري الحقيقة حول وجهة النظر، من خلال جهد مشترك بين الطرفين، للوصول إلى الحق وحيث يكون الحق هو مطلب كل إنسان ولا بد من إحياء روح التسامح بيننا، وتجنب التباغض وبث روح الأخوة والمودة إن مبدأ التسامح عظيم، لأننا كلنا أهل خطأ، ونحتاج كثيراً إلى من يصفح عنا ويحلم علينا، ليصنع لنا بذلك معروفاً ندين له به أبداً كلنا نخطئ، كلنا نذنب، كلنا يحتاج إلى مغفرة، وكم قسونا وكما تجاوزنا الحدود، والذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التسامح. والحقيقة أن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال لا فائدة منه !!
وليس الباحث عن حق من يبلي الآخرين بتهم ويبحث عن مساندتهم!!
وليس المظلوم من افترى على الآخرين بالسب والقذف إن كنت على حق والآخر ظالم فتأكد أن الظلم عمره قصير .
ومحور التقدم والرقي في أي مجتمع هو مدى تقبل أفراد هذا المجتمع للنقد والرأي الآخر، لقد خلق البشر مختلفين، وتلعب الثقافة والعلوم دوراً متميزاً في تهذيب النفوس وضبط التصرفات وتحكيم العقل. ومن هنا نقول إن الاختلاف رحمة وكل يتبع ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد المصلحة العامة .
ويعني النقد بيان مساوئ ومحاسن أي أمر أو مسألة لا يتم الاجماع والتوافق حولها، ويجب أن يستند هذا البيان على حقائق قد تكون ظاهرة للعيان أو مخفية وواجب النقد أن يميط اللثام عنها لتبدو واضحة، وهنا ننحاز إلى الرأي القائل بقابلية المحاسن والمساوئ للقياس، وما نقيسه يمكن أن نعبر عنه بالأرقام وبالتالي يصبح النقد مفهوماً علمياً ويؤدي الغرض الذي نبحث عنه من النقد
وأستذكر هنا مقولة الخليفة عمر بن الخطاب :
لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها ))
إن الاختلاف أمر مشروع ومطلوب وخاصة عندما تواجه الأمم والشعوب لحظات تاريخية في مسيرتها لتحديد وجهتها ومستقبلها في عالم تتصارع فيه الأفكار عابرة للحدود ومتخطية المعيقات الجغرافية. إن التعصب هو مفسدة للأخلاق وإذا فسدت أخلاق الأمة فهي لا محالة تسير إلى الهاوية وتسود فيها ثقافة الانحطاط، وإذا تفشى مرض التعصب في قوم فهم لا محالة إلى الزوال .
وقد قيل إن السبب في تعدد الآراء أنه لا أحد يعرف الحقيقة، ولكن تعدد الآراء بعيداً عن التعصب تقربنا من الحقيقة .
“الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” مقولة للمفكر والأديب العربي الراحل أحمد لطفي السيد، وهي تأكيد على أن الاختلاف في الآراء ووجهات النظر هو ظاهرة صحية ونمط إيجابي للمجتمع المتحضر ونورد هنا ثلاثة مستويات من الآراء:
الرأي المثالي : وهو الذي يراه صاحبه بأنه صحيح ويحتمل أن يكون جزء منه أو كله خطأ، ويرى رأي غيره خاطئا بالمجمل أو جزءا منه، ويحتمل أن يكون صحيحا، وهذا النوع المتحضر الذي ينتج حوارا ذا فائدة.
الرأي الوسطي: وهو الذي يرى صاحبه أنه على صواب بالمجمل ورأي مخالفه خطأ بالمجمل لكنه يؤمن بالتعايش مع الاختلاف دون التعرض بالأذى أو الكراهية على الطرف الآخر.
الرأي المتطرف: وهو الذي يرى صاحبه أنه على حق ومن شايعه بالمطلق، وأن المخالف على خطأ ومن شايعه بالمطلق، ويستحق العداء والإقصاء والاتهام والتصنيف وتوجيه العنف والكراهية له، وهذا للأسف ما يسود في عالمنا العربي وخاصة في اليمن نتيجة لتسلط واستبداد كثير من الأنظمة السياسية واحتكار الرأي والهيمنة على الفكر والاحادية في القرار والاحكام مما أنتج أجيالا تؤمن بالخلاف لا الاختلاف وترفض الحوار وتباين وجهات النظر.
إن مجتمعنا الذي تحاصره التحديات من كل صوب، ويتأثر بتطورات العالم من حوله، أحوج اليوم أكثر من أي وقت مضى لثقافة الحوار وقبول الآخر وتطبيق قاعدة الرأي والرأي الآخر، واعتبار ذلك عامل اثراء فكري للمجتمع، وزرع هذه الثقافة في النشء باعتبارها حاجة ملحة وضرورية وليست ترفا، ورفض الثقافة المعلبة الجامدة التي تكرس الانغلاق ورفض التعايش والقبول للآراء المختلفة والجمود الفكري.
يقول فولتير: ” قد أختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك”
ويقول غاندي: الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء.
د . علوي عمر بن فريد