بداية لا بد من التأكيد هنا بأننا لسنا ممن أعترض أو قلل من أهمية ما تم التوصل إليه في مشاورات الرياض؛ وبغض النظر عن أي ملاحظات لأن ذلك قد تم في إطار عملية سياسية معقدة وممتدة وستكون ميدانا لمعارك سياسية حقيقية قادمة.
كما أننا لسنا من أولئك الذين أطلقوا كل الشكوك ومختلف أنواع التوصيفات والنعوت على ما تمخض من نتائج عن تلك المشاورات؛ ولا ممن أعتبروا مشاركة الجنوبيين في تركيبة مجلس القيادة الرئاسي بأنها خطوة شبيهة بما حصل في مايو ١٩٩٠م إن لم تكن خطيئة كما أعتبرها البعض الآخر؛ وأيًا كانت النوايا والدوافع أو الأهداف التي تقف خلف ذلك؛ فهي في كل الأحوال كانت تعبيرا عن الرأي وحقا مشروعا لأصحابها وتعكس قناعاتهم المتعددة بتعدد إتجاهاتهم السياسية بالضرورة؛ غير أن المقارنة وكما نراها كانت غير موفقة والإسقاطات أيضا لم تكن في محلها؛ بسبب الإختلافات الجوهرية من حيث الموضوع والمضمون والزمن والصفة التاريخية للحدثين ولطبيعة الفروق الشاسعة بينهما كذلك .
ونحن أيضا هنا لسنا بصدد تقييم وتفنيد هذه الآراء تفصيلا أو الذهاب بعيدا أكثر مما قد سبقت الإشارة إليه أعلاه؛ غير أن ما نود طرحه هنا تحديدا وبدرجة رئيسية هو كيف يمكن الإستفادة من التجربة التي عشناها بعد إعلان الوحدة في مايو ١٩٩٠م؛ ففيها من الدروس والعبر المستفادة الكثير التي لا ينبغي إغفالها أو نسيانها أو التقليل من شأنها؛ وهي تجربة مرة ومؤلمة لنا حقا في الجنوب وبكل المقاييس.
أننا اليوم في الجنوب نخوض مرحلة جديدة من مراحل النضال الوطني بحثا عن الطرق والحلول الممكنة التي نستطيع بها وعبرها الوصول إلى تحقيق غايتنا وأهدافنا الوطنية المشروعة والمتمثلة بإستعادة الجنوب لدولته الوطنية وسيادته على أرضه؛ وبأقرب وقت متاح وبأقل الخسائر الممكنة التي لا مفر من دفعها عند الضرورة حين تكون مبررة ومقترنة بالتضحية من أجل الهدف والإنتصار له.
ونعتقد يقينا بأن أسهل وأنسب الطرق والوسائل الممكنة هي تلك التي تقوم على قاعدة الندية والحوار والتفاهم الأخوي الصادق مع الطرف الشمالي الذي يمثل الوجه الآخر للمشكلة والحل معا؛ مع ما يستدعيه ذلك بالضرورة من دعم ومشاركة ورقابة إقليمية ودولية بالنظر للمآلات التي قد وصلت إليها الأوضاع من تداخل وتشابك بين أطراف عدة داخلية وإقليمية ودولية ولم يعد ذلك خافيا على أحد.
ولا يساورنا الشك أبدًا بأن نجاح الحوار والتفاهم بين عدن وصنعاء لن يكون سهلا ولكنه ضرورة موضوعية ومنطقية ولا مفر من ذلك حتى الوصول للحلول الملبية للخروج من وضع الحرب وإحلال السلام وبما يضمن ويمهد الطريق لعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل مايو ١٩٩٠ م وفي إطار زمني محدد يتفق عليه وآلية موضوعية مناسبة وفعالة لتحقيق ذلك؛ وبغير هذا فالبديل هو الإستمرار بالحرب وإنعدام الإستقرار وشيوع الفوضى وفتح الأبواب لمزيد من التدخلات الخارجية وبعناوين ومبررات مختلفة.
ولعله من المناسب التأكيد هنا مرة أخرى على ضرورة أخذ الحيطة والحذر وحضور اليقظة السياسية العالية والإستثنائية لدى المحاور والمفاوض الجنوبي والإبتعاد عن الثقة المفرطة وحسن النوايا الطيبة؛ حتى لا نقع مرة أخرى في شباك المكر والخداع الذي وصل حد الغدر والإنقلاب على مشروع الوحدة الطوعية والسلمية وإعتماد الحرب والعدوان وسيلة مثلى للإنقلاب على الشريك الجنوبي والسيطرة على الجنوب وإخضاعه لإحتلال همجي بشع مكتمل الأركان في صيف عام ١٩٩٤ م