مما لا شك فيه بأن التغيير قد بدأ ولو من باب عنوانه العريض والمتمثل بأستبدال القيادة العليا للدولة اليمنية القائمة؛ وبما حملة هذا التغيير من دلالات سياسية هي على درجة كبيرة من الأهمية؛ تبشر بتحولات قادمة طال إنتظارها وقد لا تكون كلها إيجابية بالضرورة أو كما نأمل ونتمنى أن تكون عليه؛ لأن الغموض مازال قائما حتى تتحرك عجلة القرارات القيادية المنوطة بمجلس القيادة الرئاسي الذي يقع اليوم تحت المجهر السياسي والوطني والتاريخي كذلك؛ وحينها سيكون الحكم على أدائه سلبا وإيجابا .
وتبعا لذلك فإن الأوضاع ستتحرك سريعا وعلى أكثر من صعيد وستتغير معها بالضرورة قواعد الفعل على ساحة المشهد السياسي وبإتجاهات مختلفة وبأكثر من صورة؛ بما في ذلك إعادة التموضع للقوى السياسية المختلفة وحسب مقتضيات الظروف المحيطة بهذه القوى حتى تكون قادرة على البقاء والتكيف مع الأوضاع الجديدة؛ وسيجبرها ذلك على تعديل أو تغيير تحالفاتها السابقة والبحث عن صيغ جديدة لتحالفاتها أكانت على شكل ثنائي أو مع أكثر من طرف .
ومن تجربتنا المرة في الجنوب خلال الفترة الماضية فإن قوى النفوذ والهيمنة والتطرف والإرهاب التي ناصبت الجنوب العداء وشنت عليه حروبها التدميرية وحولت ثرواته إلى غنائم ومكاسب شخصية لها؛ فإنه من المؤكد بأنها لن تغير من أهدافها وسيبقى الجنوب وثرواته هدفا لأطماعها غير المشروعة ما بقيت لديها القدرة على تحقيق غاياتها وخططها العدوانية إن لم تجد من يردعها ويوقفها عند حدها ويضعها في حجمها ومكانها الطبيعي الذي عاشت وتعيش فيه جغرافيا وتاريخيا .
الأمر الذي يفرض على الجنوبيين في هذه الظروف والتحولات المرتقبة وتجنبا لمفاجئاتها وكمائنها ومطباتها المتوقعة؛ فإن المسؤولية الوطنية والتاريخية والأخلاقية تحتم عليهم الإسراع في إستكمال حواراتهم الوطنية وبصورة جدية والإتفاق على أسس وقواعد البناء الوطني الجامع؛ ليتمكنوا معا من الدفاع عن قضيتهم الوطنية المشروعة وبجدارة أكبر والذهاب سويا نحو مستقبلهم المشترك؛ لأن التباطؤ في هذا الأمر له تبعات خطيرة وستنعكس سلبا على وضع الجنوب وإستحقاقاته الوطنية القادمة .
وفي رأينا فإن الأمر يتطلب الحسم وعدم الإنتظار كثيرا لأولئك الذين يضعون العراقيل والأعذار غير المبررة ولأسباب خاصة بهم وبحجج غير منطقية وواهية ليمتنعوا عن المشاركة في الحوار وإن حضروا عطلوا تقدمه؛ وهو الإستحقاق الوطني العظيم الذي طال إنتظاره وليكون بمقدور الجنوب جني ثماره التاريخية التي يستحقها؛ مع جعل الباب مفتوحا أمامهم عندما يقتنعون بتغيير مواقفهم وينضمون بقناعة إلى مسيرة الحوار والوفاق والإتفاق الوطني إنقاذا للجنوب وإنتصارا لقضيته ومستقبل أجياله القادمة؛ وهي المهمة التي لا تليق بغير أولئك الذين يصنعون التاريخ وأحداثه الكبرى ويدافعون عنه بشرف وكبرياء وطني وإقتدار الأوفياء لتضحيات شعبهم العظيم والوفي الصبور .