كانت السياسة في بلادنا وطنية، ثم غدت استغلالاً، ثم حاولت أن تكون إصلاحاً، ثم أصبحت اليوم إما تضحية تجعل صاحبها من الأبطال، وإما وصولية تجعل صاحبها من الأنذال.
ما نشاهده يوميّا من وضاعة الخطاب السياسي اليمني الذي بلغ أرذل القاع، خطاب شعبوي لا يعرف من معاناة المواطن سوى كمّ اللغة الذي يستعمله ليوهم الناس أنّه ينطق باسمهم، شعبويّة أكلت الأخضر واليابس!!
قرف سياسيّ يجعل الواحد منهم في تناقض صارخ بين منطوق كلامه عن حريّة التعبير ولجم أفواه المعارضين من زملائه، كلّ واحد يلوك اسطوانة مشروخة ملّها النّاس، وأصبحوا كالماعز يتجولون في باب اليمن يلوكون القات ويسرقون قوت الشعب والمعونات الأممية، باعونا الوهم ووعدونا بلبن العصفور وصدقناهم انتخبنا البعض منهم من باب التجربة الديمقراطية وابتلعنا الطعم وتبين لنا أنها أكذوبة، وعندما اعترضنا اقتحموا حياتنا على ظهور الدبابات وفتحوا لنا السجون والمقابر ومن كان منا محظوظا هرب بجلده خارج الوطن!!
سياسيّون كرّهونا في السياسة وفي الشّأن السياسيّ، كرهنا الحرب وكرهنا المصالحة والمحاسبة والعدالة الدائمة والكثير من الشعارات الوطنية التي كانوا يرفعونها وصدقناهم وهم كاذبون!!
ولا يسعنا بعد هذا الفساد والدمار إلا أن نقول لهم: شكرا لكم فقد أنجزتم مهمّتكم بامتياز، وقد دمرتم اليمن بخلافاتكم، قَرفنا منكم وأصابتنا الغصّة بالحلق منكم معشر السياسيّين كل واحد منكم يخوّن الآخر وتقتلون بعضكم ثم تسيرون في جنازته وتبكون عليه
وبعد كل هذا العبث كيف يمكننا اليوم أن نُقنع طالب باحترام أستاذه؟ وكيف يمكن أن نُقنع جنديا باحترام من هو أعلى منه رتبة ويتخذه قدوة له؟ وكيف يمكن أن نقنع موظّفا باحترام مسؤوله؟ هل لكم اليوم أن تنسحبوا من مجلس النواب الذي أصبح ميتا اليوم بعد أكثر من ربع قرن؟!!
هل لديكم الشجاعة ولو ثانية من العمر لتستقيلوا من كل الألقاب التي أخذتموها عنوة واغتصابا وتعلنوا إفلاسكم وإفلاس أطروحاتكم وإفلاس بدائلكم؟ لقد أصابنا القَرف منكم ومن مؤتمراتكم وجعلتم منا اضحوكة في العالم بأسره!!
وبلغ صبرنا أفقا مسدودا مع سياسيّين لا يفقهون من السياسة إلا الصياح والنهيق ولغة القتل والتآمر على كل من يعارضهم.. وأخلاق ضيقة ونزقة.. وسياسيون دخلاء على السياسية لا يفرقون بينها وبين كوز الذرة وقد بلغوا من العمر ارذله وتاريخهم أسود وأياديهم ملطخة بدماء أبناء شعبنا ولا زالوا يحلمون بالعودة الى كراسي الحكم والسلطة!!
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول لهم:
شكرا لكم من القلب فقد انتفخت أوداجكم من التخمة والبطر وتضخمت أرصدتكم في البنوك وسرقتم وفسدتم وأفسدتم شكرا لكم فقد ترجمتم كلّ أمانينا وكان حصادها الوهم والسراب والحرب والدمار، شكرا لكم وطوبى لكم ببلد لا يحاسب المعتدين على أمنه الوطني ولا يحاسب سياسيّين بلا أخلاق!!
وبعد أن دمرتم البلاد والعباد سيظل القلم والتاريخ الذي يخطه
هو الشاهد الحي عليكم وعلى كل من يزيف التاريخ للأجيال القادمة، ويظلم الأجيال الحالية بتصويرهم (جبناء) في زمن الاستبداد، وسعداء في زمن الظلام.
وصدق الشاعر أحمد مطر إذ يقول واصفاً قدر القلم:
جسَّ الطبيبُ خافقـي
وقـالَ لي:
هلْ ها هُنـا الألَـمْ؟
قُلتُ له: نعَـمْ
فَشـقَّ بالمِشـرَطِ جيبَ معطَفـي
وأخـرَجَ القَلَــمْ!
هَـزَّ الطّبيبُ رأسَـهُ.. ومالَ وابتَسـمْ
وَقالَ لـي:
ليسَ سـوى قَلَـمْ
فقُلتُ: لا يا سَيّـدي
هـذا يَـدٌ.. وَفَـمْ
رَصـاصــةٌ.. وَدَمْ
وَتُهمـةٌ سـافِرةٌ.. تَمشي بِلا قَـدَمْ!
د. علوي عمر بن فريد